المسلمين، وفيهم جيش دمشق على قلعة عزاز، وتفرق المسلمون بعد قتل من قتل وأسر من أسر.
قلنا: إن الفرنج ملكوا مدينة صور ٥١٨ بالأمان بعد حصار طويل، وكانت للخلفاء
العلويين أصحاب مصر، وقد ثبت أهل صور نحو خمس وعشرين سنة على قتال الفرنج مع قلة المنجد لهم من مصر، يقول ابن تغري بردي: إن سبب سقوط صور خروج سيف الدين مسعود منها، وكان قد حمل إلى مصر وأقام الوالي الذي بها في البلد، وهذه زيادة في النكاية للمسلمين من صاحب مصر فإن سيف الدين المذكور كان قائماً بمصالح المسلمين، وفعل ما فعل مع الفرنج من قتالهم وحفظ سور المدينة هذه المدة الطويلة، فأخذوه منها غصباً ودخلوا البلد مع من لا قبل له بمحاربة الفرنج، فكان حال المصريين في أول الأمر أنهم تقاعدوا عن نصرة المسلمين والآن بأخذهم سيف الدين من صور صاروا نجدة للفرنج. وكانت صور آخر ما ملكه الفرنج من الساحل.
وفي سنة ٥١٨ ملك آق سنقر البرسقي حلب وقلعتها وسبب ذلك أن الفرنج لما ملكوا مدينة صور، طمعوا وقويت نفوسهم، وتيقنوا الاستيلاء على الشام كله، ثم وصل إليهم دبيس بن صدفة صاحب الحلة فأطمعهم طمعاً ثانياً لا سيما في حلب وقال لهم: إن أهلها شيعة وهم يميلون إلي لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل لهم على مساعدته بذولاً كثيرة، وقال: إنني أكون ههنا نائباً عنكم ومطيعاً لكم، فساروا معه إليها وحصروها وقاتلوا قتالاً شديداً، ووطنوا نفوسهم على المقام الطويل.
وأخذ الفرنج في بناء بيوت لهم ظاهر حلب فعظم الأمر على أهلها، ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق لإيثاره الدعة والرفاهة، فكاتب أهل حلب آق سنقر البرسقي صاحب الموصل فسار إليها، فأجفل الفرنج منهزمين، ثم صلحت أحوال حلب وعمرت أعمالها بعد أن حاصرت مدة ولقي أهلها شدة حتى أكلوا الميتة، ولم يكن عندهم أمير، وإنما تولوا حفظ الأمن بأنفسهم وأبلوا بلاءً حسناً حسنت به العاقبة. وأخذ البرسقي