٦٩٠ أي إنهم ظلوا مئتي سنة يحاربون الشام ومصر. تعاقبت فيهما عدة دول إسلامية على البلاد، وكلها حاربت هؤلاء الدخلاء بما وسعها أن تحارب، وربما قتل من الفريقين خلال ذينك القرنين ما لا يقل عن بضعة ملايين من الأنفس، ولو لم تنقطع الرغبات في الغرب وتبطل النجدات بل الحملات الكبرى التي أصبح الباباوات والملوك يوجهونها في وجهات أُخرى لقتال المسلمين لطال أمدها أكثر مما طال.
قلنا: إن الحملة الصليبية السادسة كانت بقيادة الأمير فريدريك الثاني، وهي الحملة التي عقدت معاهدة مع ملك مصر والشام تنازل فيها هذا عن القدس وبيت لحم والناصرة عشر سنين، فلما انتهت المدة عادت القدس إلى المسلمين وعندها عمد سان لوي ملك فرنسا أن يسترجعه منهم، وكان السبب في تأليف الحملة الصليبية السابعة والثامنة. جاء في الأولى إلى دمياط وانهزم مع جيشه هزيمة فاضحة في المنصورة بمصر وأُسر هو وجميع من معه من الرجال وعدتهم ثلاثون ألفاً، فاضطر أن يدفع فدية عظيمة عن نفسه وعن جماعته ثم عاد إلى فرنسا فزين له أخوه أن يغزو تونس ومنها يذهب ليفتح مصر والشام فهلك في تونس بالطاعون ١٢٧٠م وبذلك انتهت الحروب الصليبية. نشأت في فرنسا وانتهت بفشل ملكها ثم بهلاكه.
ولقد عدّ الفرنج من الفوائد التي جنوها من الحروب الصليبية أنهم أوقفوا سير المسلمين عن التقدم، وتعلم ملايين منهم أُموراً ما كانوا يحلمون بوجودها، وأخذوا عن الروم والعرب ما كان عندهم من أسباب المدنية التي لم يكن للفرنج عهد بها. فإن كثيراً من أصناف البقول نقلوها إلى أوروبا وشاعت هناك ولم تكن تعهد عندهم، وقد تعلم صناعة الورق رجلان إفرنسيان كانا أسيرين في دمشق، وأدخلا
صناعته إلى فرنسا، فكان للشام على فرنسا هذا الفضل، ومنها شاع صنعه في سائر ممالك الغرب، وتعلموا صنع الأقمشة الدمشقية والسيوف وغيرها من الصنائع الجميلة.
قال مكسيم بتي في تاريخ الشعوب العام أثناء كلامه على إخفاق الحملة الصليبية الأولى ما تعريبه: لئن كان الصليبيةن متحمسين تحمساً دينياً فقد كان ينقص هذه الستمائة ألف رجل وحدة القيادة والتجانس والامتزاج،