للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان لنواب البابا أدنى سلطة أدبية ولم تكن وحدة الغاية المراد بلوغها لتحول دون ظهور المطامع والمنافسات والدسائس. ويضاف إلى هذا السبب في الضعف أسباب أخرى مادية وهي صعوبة الطريق وقلة أسباب التموين وتدني القوى الحربية بسبب تفوق الجيوش في المدن المفتوحة أو رجوع بعض الصليبيين إلى الغرب إلى ما هنالك من قحط وأوبئة وخسائر في الحرب. وقال في الحملة الصليبية الثانية: إن قلة إيمان الكسيس وصعوبة التموين وقلة المؤنة جعلت الحملة شؤمى فقتل الثلاثمائة والخمسون ألف رجل الذين كانت تتألف منهم قتلاً ذريعاً في مريسوان واركلي.

ومع كثرة ما بذله أخلاف صلاح الدين من الجهد في قتال الصليبيين أمثال العادل والكامل وبيبرس وقلاوون وابنه صلاح الدين خليل، فإن الصليبيين كان يتعذر القضاء عليهم في الشام لو لم ينقطع المدد عنهم من البحر وتنصرف وجهة الصليبيين إلى قتال العرب في الأندلس. وفي الحق أن تلك الحملات الصليبية كانت شعبة من شعب الجنون فقدت فيها أوروبا أكثر مما ربحت من الأنفس والأموال. وما يدرينا أن تتقدم دولة السلاجقة في آسيا الصغرى على سمت الشمال وتقضي على مملكة الروم البيزنطية ثم تتقدم في فتوحها إلى أوروبا لو لم يشتغل ملوك المسلمين بهذه الحملة قرنين كاملين. وكانت الشام من جملة ممالك السلجوقيين وربما تبعتها مصر ففتحها صلاح الدين أو غيره باسمهم بدلاً من أن

يفتحها باسم نور الدين، وما نور الدين إلا صنيعة السلاجقة، وما جده وأبوه إلا عاملان من عمالهم.

شغلت أوروبا بمسألة إنقاذ القبر المقدس من أيدي المسلمين قرنين، وتطوعت شعوبها في هذه السبيل، ومن الأمم من لم ينلها إلا قتل رجالها وذهاب أموالها وكان الرابح على الأكثر أهل إيطاليا فإنهم حاربوا حرباً تجارية ربحوا من سفنهم وتجارتهم وخصوصاً البنادقة والجنويون والبيسيون. أما الألمان والبريطانيون والفرنسيون والهولانديون والسويسريون والنروجيون فإنهم خسروا خسارة كبيرة.

ساق الفرنج إلى الحروب الصليبية الدين والتجارة فلما فترت نغمة الدين بهلاك من كانوا يحسنون هناك الضرب على أوتارها، ولم ير التجار في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>