وكانوا عشرة أمراء بعشرة آلاف مقاتل والتقت الجموع عند عين صوفر وجرى بينهم قتال عظيم وكانت الدائرة على الأمراء فهربوا بحرمهم وأولادهم وأموالهم ونحو ثلاثمائة نفس من رجالهم واجتمعوا في الغار غربي كسروان المعروف بغار تيبية فوق أنطلياس فدافعوا عن أنفسهم، ولم يقدر الجيش أن ينال منهم. ثم بذلوا لهم الأمان فلم يخرجوا فأمر نائب دمشق أن يبنوا على الغار سداً من الحجر والكلس وهالوا عليه تلاً من التراب وجعلوا قطلوبك حارساً عليهم مدة أربعين يوماً حتى هلكوا داخل الغار، ثم أحاط العسكر بتلك الجبال ووطئوا أرضاً لم يكن أهلها يظنون أن أحداً من خلق الله يصل إليها، فخربوا القرى وقطعوا الكروم وهدموا البيع وقتلوا وأسروا جميع من صادفوا من الدروز والكسروانيين وغيرهم فذلت تلك الجبال المنيعة بعد عزتها.
ويقول مؤرخو لبنان: إن الأفرم في هذه الحملة كان في خمسين ألف فارس
وراجل. ويقول أبو الفداء وابن الوردي: إن هذه الحملة ٧٠٥ كانت على بلاد الظنينين غيرهم من المارقين عن الطاعة وكانوا يتخطفون المسلمين ويبيعونهم من أعدائهم ويقطعون الطرق. وفي تاريخ بيروت أن سيف الدين أسندمر نائب طرابلس كان نسب إلى مباطنة الكسروانيين فأفحش فيهم القتل لينفي عنه هذه التهمة اللاحقة به وأن الكسروانيين بادوا وتشتتوا وأقطع هذا النائب بعضهم أملاكاً من حلقة طرابلس وجازى بعضهم بالرواتب.
وفي سنة ٧٠٥ أرسل نائب السلطنة بحلب مع طشتمر مملوكه في عسكر حلب للإغارة على سيس أيضاً، وكان ضعيف العقل قليل التدبير، ففرط في حفظ العسكر ولم يكشف أخبار العدو واستهان بهم، فجمع صاحب سيس جموعاً كثيرة من التتر وانضمت إليهم الأرمن والفرنج ووصلوا على غرة إلى طشتمر فالتقوا بالقرب من أياس فلم يكن للحلبيين قدرة بمن جاءهم فتولوا يبتدرون الطريق. وتمكنت التتر والأرمن منهم فقتلوا وأسروا غالبهم واختفى من سلم في تلك الجبال.