ولم يحدث بعد ذلك من الكوائن المهمة شيء يستحق التدوين حتى سنة ٧٠٨ وقد خرج الناصر محمد بن قلاوون من مصر يظهر التوجه إلى الحجاز، فلما وصل إلى الكرك أمر الأمراء الذين حضروا في خدمته بالمسير إلى الديار المصرية وأعلمهم أنه جعل السفر إلى الحجاز وسيلة إلى المقام بالكرك. وكان سبب ذلك استيلاء سلار وبيبرس الجاشنكير على المملكة واستبدادهما بالأمور، وتجاوزا الحد في الانفراد بالأموال والأمر والنهي، ولم يتركا له غير الاسم فاشتور الأمراء فيما بينهم واتفقوا على أن تكون السلطنة لبيبرس الجاشنكير، فجلس على سرير السلطنة على أن يكون سلار مستمراً على نيابتها.
وفي السنة التالية سار جماعة من المماليك على حمية من الديار المصرية مفارقين طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر، ووصلوا إلى السلطان بالكرك
وأعلموه بما الناس عليه من طاعته ومحبته، فأعاد السلطان خطبته بالكرك ووصلت إليه مكاتبات عسكر دمشق يستدعونه وأنهم باقون على طاعته، وكذلك وصلت إليه المكاتبات من حلب ثم جاء من الكرك إلى حمان، وعاد فرجع إلى الكرك واستمرت العساكر على طاعته وانحلت دولة بيبرس الجاشنكير وجاهره الناس بالخلاف بعد أن ساعفته الأيام، ولم يهم أنه ستخونه الأقدار، ولا تظنى أن ما بناه على شفا جرف هار.
ولما تحقق الملك الناصر صدق العساكر الشامية وبقاءهم على طاعته وولائه عاود المسير إلى دمشق فسار إلى البرج الأبيض من أعمال البلقاء، فأطاعه جند دمشق وجند حماة والساحل، وطلب نائب السلطنة الأفرم الأمان فأمنه، ولما تكاملت العساكر الشامية عند السلطان بدمشق سار إلى مصر وبلغ بيبرس الجاشنكير ونائبه ذلك فجردا عسكراً ضخماً أقاموا في الصالحية بطريق مصر. ولما وصل السلطان إلى غزة قدم إلى طاعته عسكر مصر أولاً فأولاً ثم تتابعت الأطلاب والكتائب، وبويع له بالسلطنة للمرة الثالثة، ولما تحقق بيبرس الجاشنكير ذلك خلع نفسه من السلطنة وطلب الأمان وأعطاه السلطان صهيون ومئة مملوك ثم قبض عليه وقتل، وكذلك فعل بسلار. وأكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
وفي سنة ٧٠٩ وقعت فتنة في حوران بين اليمنية والقيسية وحشدوا وبلغت