عصيانه الأعراب والمماليك ولقب نفسه بالملك الأشرف صاحب الفتوحات، وزينت له دمشق ثلاثة أيام وأوقدت له الشموع على الدكاكين، وقبل له الأمراء الأرض وقد جمع العسكر الكثير، وخطب باسمه على منابر دمشق وضربت السكة باسمه على الذهب والفضة. وأرسل إلى أمير الأمراء بمصر ليقوم معه لنزع حكم العثمانيين عن مصر والشام فنمَّ عليه للسلطان، فقام الغزالي وحده مدفوعاً بتنشيط زعانف السكان والمماليك والعربان والأكراد أتباع كل ناعق، وكثر الملتفون عليه حتى تسحب المماليك إليه من مصر وكثروا سواده. وذكروا أن من اجتمع عليه من الجند كان خمسة عشر ألفاً من المماليك والتركمان وثمانية آلاف ممن يضربون البنادق.
ولما بلغ قراجه باشا والي حلب موت السلطان كان بعسكره في حيلان فرجع إلى
حلب وحصنها واستخدم خلقاً كل إنسان بثلاثمائة درهم، وأنفق عليهم من مال السلطان شهرين، وأعطى الانكشارية كل واحد ألفين والاصباهية كل واحد ألفاً زيادة على الراتب، وخرج إلى قرية سرمين وقرية داريخ ونهبهما، فخرج إليه أمير شيزر من جهة الغزالي فأخذ منه جميع المكسب وغنم منه جماعة وجهز رؤوسهم إلى دمشق، ودخل نائب حلب إليها مكسوراً ووصل عسكر الغزالي إلى الأنصاري وخرج إليه عسكر حلب. فأرسلت الدولة على الغزالي فرهاد باشا في ثمانية آلاف انكشاري عدا من انضم إليه من قوى الأناضول وكان معهم ثمانية عشر مدفعاً كبيراً.
سار الغزالي إلى حلب ليستولي عليها فحاصرها مدة ولم يقدر عليها لصدق أهلها في قتاله، وداهمه الجيش العثماني بما أتاه من المدد فانكسر، وجاء إلى حماة فتبعه العسكر العثماني واقتتلوا معه فهرب منهم، وقصد التوجه إلى دمشق وخرَّب في طريقه قناطر الرستن على العاصي فتبعوه فكانت بين الفريقين معركة دارت خارج دمشق قتل فيها نحو عشرة آلاف إنسان وقيل أكثر من ذلك، بينهم عربان ومماليك وجماعة من عوام دمشق وفيهم أطفال وصغار من أهل الضياع وغيرهم ممن حضر القتال. قال ابن إياس: وكانت هذه الوقعة تقرب من وقعة تيمورلنك لما ملك الشام وجرى منه ما جرى من قتل ونهب وسبي وحرق ضياع وما أبقوا في ذلك ممكناً. وليس الخبر كالعيان.