وسليمان باشا من مماليك الجزار اشترك مع سليم باشا في حرب الجزار، ولما أفسد الجزار هذا العسكر على باب عكا هرب سليم باشا وسليمان باشا، إلا أن هذا عاد إلى مولاه تائباً فوجه عليه متسلمية صيدا. وكان سليمان باشا هذا لا يسمع وشاية ويحمي من يعينهم من جماعته ولا يسمع فيهم كلاماً، وإذا عين أحدهم لا يرفعه مهما وقعت عليه من الشكاوي، وإذا توفي أحد خدامه مسلماً كان أو مسيحياً يضع ولده مكانه إن كان له ولد ويجري عليه رزقه وإن كان لا ولد له يدرَ راتباً على عياله، وكان يعطي كل واحد من خدام بابه على حسب حاله من القرش إلى العشرة قروش كل يوم، وهذا لأكبر ما يكون من أرباب الوظائف. قال العورا مدون وقائعه: وكان عنده لما مات ٢٢ دعبولة في كل دعبولة ألف كيس ريال فرنسا كل ريال بأربعة قروش عدا ما كان تحت صرافه حاييم وأخيه موسى وهو يربو على اثني عشر ألف كيس وعدا الديون التي للخزينة على تجار عكا وبيروت وما عند حريمه من الجواهر والتحف وخلا ما عنده من الغلات والكراع.
هذا الرجل الذي خلف هذه الثروة وما ذلك بالأمر المستنكر على ولاة عصره، كان يتبجح بكلام العادلين والمصلحين مع أفراد من حاشيته ومن يغشون مجلسه، ليدل على حبه لإحقاق الحق وزهده في حطام الدنيا. شنشنة معروفة في بعض من يتولون الأمر يبرئون أنفسهم من حب الدنيا وهم سراق منظمون، ويستحلون في السر كل كبيرة وفي جهرهم أعفة أتقياء. هذا الرجل قال لوكيله وصرافه حاييم وكاتبه حنا العورا يوم استولى على دمشق وخلصها من يوسف كنج باشا: أنا قضيت حياة رأيت فيها الحلو والمر، فإذا أردتم أن تخدموني بالصداقة فأنا أشترط عليكم أن لا تظلموا أحداً، فلا أريد الظلم ولا أذية أحد ولا خراب بيت أحد. ولا عيني بمال أحد، وأريد ما أمكن سد باب الظلم، وليس لي حاجة في غير لقمة خبز
طيبة وحصان مليح وجوبق دخان والكسوة الاعتيادية وامرأة واحدة ولست آذن ولا أرخص لأحد منكم أن يجمع لي مال عباد الله بالظلم ولا بالخطف، ولا بالحيلة ولا بوجه من الوجوه، ولا أريد إلا أخذ الأموال المرتبة بأمر السلطان فقط ولا