للغسانيين تمدن فاقوا به اللخميين لاختلاطهم بالروم البيزنطيين. ولم تكن لهم عاصمة معينة بل كانوا ينزلون الجولان والسويداء والجابية وجلق. وكان الغسانيون يؤدون الجزية عندما هاجروا من اليمن إلى الشام إلى رؤساء الأسباط من الرومان، ثم امتنعوا من أدائها عندما نالوا من الضجاعم واستولوا على الأمر دونهم، فاضطر الروم أن يقروا الغسانيين على أمرهم لحاجتهم إليهم في رد عادية اللخميين سكان الحيرة. وربما كان ذلك في أواخر القرن الخامس للميلاد.
وفي سنة ٥٢٩ عهد الإمبراطور يوستنيانوس إلى الحارث بن جبلة - وكان الحرث يدين بالنصرانية على مذهب القائلين بطبيعة واحدة في المسيح متحمسا لهذا
المعتقد ذابا عنه - بزعامة جميع القبائل العربية في الشام ونال لقب رئيس الأسباط وبطريق. وكان هذا اللقب في مملكة البيزنطيين إذ ذاك أرقى لقب بعد الإمبراطور. وفي تلك السنة اشترك مع البيزنطيين في قمع ثورة السامريين وانقضى معظم عهده في حروب المنذر الثالث ملك الحيرة، وفي سنة ٥٢٨ تغلب على المنذر، وبعد نحو عشر سنين أصبحت المنافسة بينه وبين المناذرة على أتمها بسبب أراضي التخوم الواقعة بين دمشق وتدمر إلى الرصافة وكان كل واحد منهما يدعيها. قال هوار: إن الحارث الغساني كسر المنذر ملك الحيرة سنة ٥٢٨ وإنه لما كان والي فلسطين اشترك في إعادة السامريين إلى الطاعة فوهبه يوستنيانوس لقب الملك ليقضي على العرب الذين كانوا إقطاعا لملوك الساسانيين من الفرس، وكان كثيرا ما يجتاز دجلة ويخرب المعمور ويحمي قبائل العرب النازلة في برية تدمر من اعتداء المناذرة. وكانوا يحاولون أن يأخذوا منهم الجزية وحاربهم على الطريق الحربي الذي كان ممتدا من دمشق إلى تدمر.
حارب الحارث مع الرومان في العراق، ثم حارب المنذر الحارث وأسر ابنه وقدمه ضحية للعُزَّى. وفي سنة ٥٥٤ ظفر الحارث بالمنذر في جهات قنسرين فهلك المنذر في المعركة. وخلف الحارث ابنه المنذر وتغلب على العرب الفرس الذين هاجموا منازل الغسانيين وظفر بملكهم قابوس في عين أباغ على الأغلب. وحاول ملك الروم قتل المنذر فرفع لواء العصيان ثلاث