للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنين، ولما عصى العرب والفرس على بيزنطية اضطرت هذه أن تعقد الصلح مع المنذر، ثم حمل هذا إلى القسطنطينية أسيرا وانقطعت الأموال التي كانت تعطيها له مملكة الروم فثار أولاده الأربعة بقيادة النعمان بكر أولاد الحارث وهاجموا أراضي الروم وخربوا فيها، فأخذ النعمان أسيرا أيضا. ولكن الفوضى انتشرت في بادية الشام وأخذت كل قبيلة تختار لها زعيما خاصا وهواهم مع الفرس. ولما سقطت دمشق والقدس في يد

ملك الفرس كسرى ابرويز ٦١٣ - ٦١٤ انهارت مملكة الغسانيين. وقيل: إن جبلة بن الأيهم كان آخر ملوكهم. هذا ما يعرف عن الغسانيين في الجملة نقلا عمن حقق أمرهم من مؤلفي الغرب.

ولما حاصر كسرى مدينة القسطنطينية خلت أرض الشام من جند الروم. وكان في مدينة صور أربعة آلاف يهودي فكتبوا إلى إخوانهم ببيت المقدس وقبرس ودمشق وجبل الجليل وطبرية أن يجتمعوا كلهم في عيد فصح النصارى ليقتلوهم بصور، ويصعدوا إلى بيت المقدس فيقتلوا كل نصراني بها ويغلبوا على المدينة، فبلغ الخبر بطريق صور فأخذ اليهود وقيدهم وسجنهم وأغلق أبواب صور وصير عليها المنجنيقات والعرادات، فلما كانت ليلة الفصح اجتمع اليهود من كل بلد إلى صور وكانوا زهاء عشرين ألف رجل، فحاربوهم حربا شديدة من فوق الحصون، فهدم اليهود كل كنيسة كانت خارج صور فكانوا كلما هدموا كنيسة أخرج أهل صور من اليهود المقيدين عندهم مائة رجل وأوقفوهم على الحصن وضربوا أعناقهم ورموا برؤوسهم إلى خارج، فضربوا أعناق ألفي رجل ثم انهزم اليهود.

كنا نحب التوسع في سرد وقائع تلك الدول لولا الخوف من نقل ما لا يقره المحققون. والتعرض للمجهولات يؤدي إلى السقوط في غلطات ومتناقضات. ولعل بحث علماء العاديات يوصلهم إلى اكتشاف ما كان مجهولاً من تاريخ هذه الديار التي طالما شرقت بدماء الغالبين والمغلوبين وسارت على أديمها دول كان الناس في ظلها ظالمين ومظلومين، وقتل أهلها بالألوف والمئين في سبيل شهوات الفاتحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>