وثارت اليمن سنة ١٣٢٩ فأرسلت الدولة جيشاً عظيماً على صنعاء والعسير قتل في حربها من أبناء الشام ألوف. كما كانت كل مرة تدفن ألوفاً من أبنائها في تلك الولاية القاصية. حدثني عظيم من الأتراك وكان أكبر رجال الشورى العسكرية في الفيلق الخامس بدمشق أن الدولة بحسب إحصاء الجيش كانت تدفن كل سنة من أبناء الشام في اليمن نحو عشرة آلاف جندي يهلكون بالأمراض والفتن والقلة وتغير الهواء، دامت على ذلك نحو خمسين سنة حتى عقد الصلح بين إمام اليمن يحيى بن محمد حميد الدين وبين قائد الحملة اليمانية عزت باشا، وبهذا العقد لم يبق للدولة هناك غير سلطان قليل في صنعاء وتَعِزِ وما إليهما من السهول والجبال، وانتقلت جل الإحكام إلى الإمام وذلك في سنة ١٣٢٩هـ. وظهرت أيضاً فتن أُخرى في كردستان وألبانيا وأذنة، فلم ترتح المملكة سوى أشهر معدودة بعد إعلان القانون الأساسي. ومنشأ كل فتنة داخلية العمال على الغالب، ثم تمتد وتنتشر فيصيب الأمة شرها، ويتولى الأمر الجهلاء ثم يتعذر على العقلاء حل العقد التي يعقدونها، وكم من مجنون رمى في بئر حجراً فصعب على مائة عاقل
إخراجه. ثم نشبت حرب طرابلس بين العثمانية وإيطاليا، وجاءت إيطاليا بأسطولها إلى سواحل طرابلس وبرقة بدون مسوغ، وضربت سفينتين عثمانيتين كانتا راسيتين في ميناء بيروت فهلك من أهل المدينة والجند زهاء مائتي نسمة، وأرسلت الشام جنداً ومعاونات نقدية إلى طرابلس، آخر ما بقي من للعثمانيين من الولايات في برّ إفريقية. ولم يعد الصلح في أُوشي من سويسرا بين العثمانية والإيطالية حتى أعلنت دول البلقان المتحدة بلغاريا والصرب والجبل اسود واليونان الحرب على الدولة العثمانية فغلبتها، وجاء جيش البلقانيين إلى جتالجة من ضواحي الأستانة، وعقدت الهدنة يوم الثالث من كانون الأول ١٩١٢ بين العثمانيين والبلقانيين، وعقد مؤتمر في لندرا لإصلاح ذات البين بين الفريقين فلم يفلح، وعاد المتحاربون إلى النزاع بعد الأزمة الوزارية التي انتهت بسقوط الصدر كامل باشا وقتل ناظم باشا ناظر الحربية بيد أنور بك من ضباط الاتحاديين ودعاة الدستور في الروم ايلي، وأخذ الاتحاديون بعد هذه الفاجعة يستولون على أزمة الأمر وظهر أنور بك بمظهر جديد فقبض على عنان الحكومة، واستؤنفت الحرب بين المتحدين من البلقانيين