الشمع أيضاً أحدهما أطول من القصر المقدم بنحو أربع أذرع والآخر دونه مشتملين عل ما تقدم وعلى صور أنواع الحيوانات من السكر من الخيل والجمال والفيلة والسباع والطيور وغيرها، كل ذلك من السكر المعقود وعلى النقول والملبسات بالسكر أيضاً.
وكان رشيد الدين بن الصوري يستصحب مصوراً ومعه الأصباغ والليق على اختلافها وتنوعها، فكان يتوجه إلى المواضع التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات، فيشاهد النبات ويحققه ويُريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله، ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها. ثم إنه سلك في تصوير النبات مسلكاً مفيداً، وذلك أنه كان يُري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته فيصوره، ثم يريه إياه أيضاً وقت كماله وظهور بزره فيصوره تلو ذلك، ثم يريه إياه أيضاً في وقت ذواه ويبسه فيصوره، ومن ذلك نستدل أنه كان في القطر أكثر من مصور في ذاك
العصر، وأن ذلك التصوير بالأصباغ كان مألوفاً، وقد بلغ من حذق المصورين أن يصوروا النبات على أنحاء شتى، أما عنايتهم بالنبات نفسه فمسألة ينظر فيها علماء النبات يستخرجون منها ما يريدون، وهذا كان في الثلث الأول من القرن السابع للهجرة أي في القرن الثالث عشر للميلاد.
ولا شك أن كل هذه البدائع كانت من صنع صُنُع الأيدي من الشاميين، فمن المصورين على الخزف ومن المصورين على الخشب ومن المصورين على النسيج ومن المصورين على النحاس والحديد، فمن المصورين على الخزف الغيبي قال تيمور: إن له قطعاً بدار الآثار العربية بمصر، عثروا عليها بأطلال الفسطاط وقد كتب عليها اسمه فكتب على بعضها الغيبي فقط وعلى بعضها الغيبي الشامي وإن في دار الآثار العربية أيضاً لوحاً من القاشاني لمحمد الدمشقي عليه صورة مكة المكرمة والكعبة المعظمة صورها سنة ١١٣٩هـ وكتب عليها اسمه. وبعد فهذا القليل الذي قرأناه واستأنسنا به يدل على ذوق وإبداع، وإن مشاركة الأمة في هذا الفن كانت على حصة موفورة. وفي هذا العصر نبغ في الشام مصورون لا بأس بهم أخذوا عن إيطاليا وفرنسا وغيرهما وكادوا يجارون