للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من إسماع المُخَاطَب، ففي رفعه إيذاء للسامع، وفي خفضه عن الحد المعقول والمطلوب فيه نوع تكلف من المُتَكلِّم وعدم إسماع وإفهام للمُخَاطَب.

وفي ذلك يقول البقاعي: «ولما كان رفع الصوت فوق العادة منكرًا كما كان خفضه دونها تماوتًا أو دلالًا وتكبرًا، وكان قد أشار إلى النهي عن هذا، فأفهم أن الطرفين مذمومان» (١).

ورفع الصوت مع ما فيه من الرعونة والأذى للسامع، فهو منكر تنفر منه النفوس السوية والفطرة والطباع السليمة.

ويبين القرطبي الضرر المترتب على التكلف في رفع الصوت عن حده ممثلًا ومستشهدًا بأثر عمر -رضي الله عنه-، فيقول: و «قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: ١٩] أي: انقص منه، أي: لا تتكلف رفع الصوت، وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع، وقد قال عمر -رضي الله عنه- لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته: لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك، والمؤذن هو أبو محذورة (٢) سمرة بن معير -رضي الله عنه-.


(١) نظم الدرر للبقاعي (جـ ٦/ ص ٣٥٢).
(٢) أبو محذورة: سمرة، وقيل: أوس بن معير الجمحي، أبو محذورة: المؤذن، أمه من خزاعة، اشتهر بلقبه، واختلفوا في اسمه واسم أبيه. أسلم بعد حنين، وكان الأذان قبله دعوة للناس إلى الصلاة، على غير قاعدة.
وسمع في الجعرانة صوتًا غير منسجم يقلده هزؤًا به، واستحسن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صوته ودعاه إلى الإسلام فأسلم، قال: وألقى عليَّ التأذين هو بنفسه فقال: «قل: الله أكبر الله أكبر».
ولمّا تعلّم الأذان جعله مؤذنه الخاص وطلب أن يكون مؤذن مكة، فكان، وظل الأذان في بنيه وبني أخيه مدة، ورويت عنه أحاديث، توفي سنة (٥٩ هـ).
ينظر ترجمته في: الاستيعاب (٢/ ٦٢)، والإصابة (٣/ ٣٩٧)، والأعلام للزركلي (٢/ ٣١).

<<  <   >  >>