للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النكارة، لأن صوت الحمير أنكر الأصوات» (١).

يقول القاسمي: «{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: ١٩] أَيِ: انْقُصْ مِنْ رَفْعِهِ، وَأَقْصِرْ، فَإِنَّهُ يُقَبَّحُ بِالرَّفْعِ حَتَّى يُنْكِرَهُ النَّاسُ، إِنْكَارَهُمْ عَلَى صَوْتِ الْحَمِيرِ، كَمَا قَالَ: إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ مُعَلِّلًا لِلْأَمْرِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَآكَدِهِ وَ (أَنْكَرَ) بِمَعْنَى أَوْحَشَ، مِنْ قَوْلِكَ: (شَيْءٌ نُكُرٌ) ; إِذَا أَنْكَرَتْهُ النُّفُوسُ وَاسْتَوْحَشَتْ مِنْهُ وَنَفَرَتْ» (٢).

ومما سبق يتبين أن علو الصوت لغير حاجة مع ما فيه من الضرر والأذى، فيه تشبه بصوت الحمير الذي فيه من النكارة والغاية في القبح والشر وأنه أبغض الأصوات وأوحشها، وهذا أسلوب غاية في التنفير والزجر لكل من تسول له نفسه في أن يعلو صوته ويؤذي سامعيه ومُخَاطَبيه، وهذا ما أراده لقمان لينزجر ولده وتتأفف نفسه الأبية بأن يكون فيها شبه من أخس المخلوقات وأوضعها.

فرفع الصوت وعلوه فيما لا طائلة من ورائه لأنه يشبه نهيق الحمير التي لا تفعل ذلك إلا إذا رأت الشياطين، فلا يليق بإنسان قد أكرمه الله بالعقل وخلقه في أحسن تقويم، وسواه وعدله، وفي أي صورة ما شاء ركبه، وجعل له عينين، ولسانًا وشفتين، ودله على الطريق القويم، وهداه إلى صراطه المستقيم، فأنعم عليه بنعمة الإسلام وأكرمه وزينه بزينة الإيمان، أن ينزل لدرجة العجماوات التي لا تعقل، فيتشبه بأبلدها وأدناها وأخسها، ألا وهو الحمار الذي لا يعقل شيئًا ولا يهتدي سبيلًا، وإنما كان الزجر على علو الصوت في تشبيهه بصوت


(١) ابن عاشور (٢٢/ ١٦٩).
(٢) القاسمي (١٣/ ٤٨٠٢).

<<  <   >  >>