بالفضائل التي غرستها الأسرة والمدرسة؛ بل يغذيها وينميها ويتعاون معهما في بناء المجتمع الراشد المتجه نحو الصلاح والفلاح بهداية من الله -سبحانه وتعالى-، وبالتردد على المساجد يتعلم النشء النظام والدقة والنظافة والاستواء، وينمو شعور التآلف بينهم وبين أقرانهم، فتتكون العلاقات الاجتماعية الطيبة ويشبون عليها فتتحقق لهم معاني الأخوة الإيمانية الممتزجة بالحب المفعم في ذات الله.
هكذا نظر المسلمون الأولون إلى المسجد على أنه مدرسة تحمل كل هذه المعاني، فأقاموا صلتهم به على أساسها، فكان له من الأثر في تكوينهم ما لم يعرف التاريخ له مثيلًا في أيّ عمل تربوي بنَّاءٍ، حتى أصبح المسجد بحق المدرسة التي يتعلم فيها المسلم من المهد إلى اللحد كل ما يعوزه من مبادئ الحياة، فمن واجب المسلمين أن يعيدوا إلى المسجد وظيفته ومهابته وحيويته حتى يصبح مصدر إشعاع يرشد فيعلِّم، ويهدي فيقوِّم؛ لأن المسجد مؤسسة ذات مركز عظيم، وله دور كبير وفعَّال في تربية وتوجيه وتعليم الناشئة، فالمسجد يُعدُّ أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطًا وثيقًا نظرًا لعددٍ من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم؛ لا سيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فحسب؛ بل كان أشمل من ذلك، وبذلك يمكن القول بأن المسجد في الإسلام يُعد جامعًا وجامعةً، ومركزًا لنشر الوعي في المجتمع، ومكانًا لاجتماع المسلمين، ولم شملهم، وتوحيد صفهم، وهو بحق أفضل مكانٍ، وأطهر بقعةٍ، وأقدس محلٍّ يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته، ليكون بإذن الله تعالى فردًا صالحًا في مجتمعٍ صالحٍ.