وقد أخرجه في صحيحه كما سيأتي بيانه. ومثال ما هو حسن صالح للحجة؛ قوله فيه: وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: الله أحق أن يستحيا منه من الناس، وهو حديث حسن مشهور عن بهز، أخرجه أصحاب السنن كما سيأتي. ومثال ما هو ضعيف بسبب الانقطاع لكنه منجبر بأمر آخر قوله في كتاب الزكاة: وقال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب محمد ﷺ، فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ.
فأما ما اعترض به بعض المتأخرين بنقضه هذا الحكم في صيغة الجزم وأنها لا تفيد الصحة إلى من علق عنه، بأن المصنف أخرج حديثا قال فيه: قال عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لا تفاضلوا بين الأنبياء، الحديث، فإن أبا مسعود الدمشقي جزم بأن هذا ليس بصحيح لأن عبد الله بن الفضل إنما رواه عن الأعرج عن أبي هريرة، لا عن أبي سلمة، ثم قوى ذلك بأن المصنف أخرجه في موضع آخر موصولا فقال: عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة، انتهى. فهذا اعتراض مردود، والقاعدة صحيحة لا تنتقص بهذا الإيراد الواهي، وقد روى الحديث المذكور أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة، كما علقه البخاري سواء، فبطل ما ادعاه أبو مسعود من أن عبد الله بن الفضل لم يروه إلا عن الأعرج، وثبت أن لعبد الله بن الفضل فيه شيخين، وسنزيد ذلك بيانا في موضعه إن شاء الله تعالى.
والصيغة الثانية: وهي صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح على ما سنبينه، فأما ما هو صحيح فلم نجد فيه ما هو على شرطه إلا مواضع يسيرة جدا، ووجدناه لا يستعمل ذلك إلا حيث يورد ذلك الحديث المعلق بالمعنى؛ كقوله في الطب: ويذكر عن ابن عباس، عن النبي ﷺ في الرقى بفاتحة الكتاب، فإنه أسنده في موضع آخر من طريق عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ﵄ أن نفرا من أصحاب النبي ﷺ مروا بحي فيهم لديغ، فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب، وفيه قول النبي ﷺ لما أخبروه بذلك: أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله. فهذا كما ترى لما أورده بالمعنى لم يجزم به، إذ ليس في الموصول أنه ﷺ ذكر الرقية بفاتحة الكتاب، إنما فيه أنه لم ينههم عن فعلهم فاستفيد ذلك من تقريره.
وأما ما لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة، فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه، ومنه ما هو حسن، ومنه ما هو ضعيف فرد إلا أن العمل على موافقته، ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له.
فمثال الأول أنه قال في الصلاة: ويذكر عن عبد الله بن السائب قال: قرأ النبي ﷺ المؤمنون في صلاة الصبح، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع. وهو حديث صحيح على شرط مسلم أخرجه في صحيحه إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته. وقال في الصيام: ويذكر عن أبي خالد عن الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، عن ابن عباس قال: قالت امرأة للنبي ﷺ: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين، الحديث، ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح، إلا أن فيه اختلافا كثيرا في إسناده، وقد تفرد أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر بهذا السياق وخالف فيه الحفاظ من أصحاب الأعمش، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومثال الثاني: وهو الحسن قوله في البيوع: ويذكر عن عثمان بن عفان ﵁ أن النبي ﷺ قال له: إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل. وهذا الحديث قد رواه الدارقطني من طريق عبد الله بن المغيرة، وهو صدوق، عن منقذ مولى عثمان وقد وثق، عن عثمان به، وتابعه عليه سعيد بن المسيب، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن في إسناده