ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع، فالحديث حسن لما عضده من ذلك.
ومثال الثالث: وهو الضعيف الذي لا عاضد له إلا أنه على وفق العمل قوله في الوصايا: ويذكر عن النبي ﷺ أنه قضى بالدين قبل الوصية. وقد رواه الترمذي موصولا من حديث أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي، والحارث ضعيف، وقد استغربه الترمذي، ثم حكى إجماع أهل العلم على القول به.
ومثال الرابع: وهو الضعيف الذي لا عاضد له، وهو في الكتاب قليل جدا، وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف بخلاف ما قبله، فمن أمثلته قوله في كتاب الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح. وهو حديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سليم، عن الحجاج بن عبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة، وليث بن أبي سليم ضعيف وشيخ شيخه لا يعرف وقد اختلف عليه فيه، فهذا حكم جميع ما في الكتاب من التعاليق المرفوعة بصيغتي الجزم والتمريض، وهاتان الصيغتان قد نقل النووي اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على اعتبارهما وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح، قال: وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم، واشتد إنكار البيهقي على من خالف ذلك وهو تساهل قبيح جدا من فاعله، إذ يقول في الصحيح: يذكر ويروى، وفي الضعيف: قال وروى، وهذا قلب للمعاني وحيد عن الصواب. قال: وقد اعتنى البخاري ﵀ باعتبار هاتين الصيغتين وإعطائهما حكمهما في صحيحه، فيقول في الترجمة الواحدة بعض كلامه بتمريض وبعضه بجزم؛ مراعيا ما ذكرنا، وهذا مشعر بتحريه وورعه. وعلى هذا فيحمل قوله: ما أدخلت في الجامع إلا ما صح، أي مما سقت إسناده، والله تعالى أعلم اهـ كلامه.
وقد تبين مما فصلنا به أقسام تعاليقه أنه لا يفتقر إلى هذا الحمل، وأن جميع ما فيه صحيح باعتبار أنه كله مقبول، ليس فيه ما يرد مطلقا إلا النادر، فهذا حكم المرفوعات.
وأما الموقوفات فإنه يجزم منها بما صح عنده، ولو لم يكن على شرطه، ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرا؛ إما بمجيئه من وجه آخر وإما بشهرته عمن قاله، وإنما يورد ما يورد من الموقوفات من فتاوى الصحابة والتابعين ومن تفاسيرهم لكثير من الآيات على طريق الاستئناس والتقوية لما يختاره من المذاهب في المسائل التي فيها الخلاف بين الأئمة، فحينئذ ينبغي أن يقال جميع ما يورد فيه إما أن يكون مما ترجم به أو مما ترجم له، فالمقصود من هذا التصنيف بالذات هو الأحاديث الصحيحة المسندة، وهي التي ترجم لها، والمذكور بالعرض والتبع الآثار الموقوفة والأحاديث المعلقة نعم والآيات المكرمة، فجميع ذلك مترجم به إلا أنها إذا اعتبرت بعضها مع بعض، واعتبرت أيضا بالنسبة إلى الحديث، يكون بعضها مع بعض منها مفسَّر ومنها مفسِّر، فيكون بعضها كالمترجم له باعتبار ولكن المقصود بالذات هو الأصل، فافهم هذا فإنه مخلص حسن يندفع به اعتراض كثير عما أورده المؤلف من هذا القبيل، والله الموفق، وهذا حين الشروع في سياق تعاليقه المرفوعة، والإشارة إلى من وصلها وأضفت إلى ذلك المتابعات؛ لالتحاقها بها في الحكم، وقد بسطت ذلك جميعه في تصنيف كبير سميته: تغليق التعليق، ذكرت فيه جميع أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة، وذكرت من وصلها بأسانيدي إلى المكان المعلق، فجاء كتابا حافلا وجامعا كاملا لم يفرده أحد بالتصنيف، وقد صرح بذلك الحافظ أبو عبد الله بن رشيد في كتاب