يجلس غدا في موضع كذا، فلما كان الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظارة، حتى اجتمع قريب من كذا كذا ألف نفس فجلس أبو عبد الله للإملاء، فقال قبل أن يأخذ في الإملاء: يا أهل البصرة، أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها؛ يعني ليست عندكم، قال: فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء، فقال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد العتكي ببلدكم، قال: حدثني أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك: أن أعرابيا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم. . .
الحديث، ثم قال: هذا ليس عندكم عن منصور، إنما هو عندكم عن غير منصور، قال يوسف بن موسى: فأملى عليهم مجلسا من هذا النسق يقول في كل حديث: روى فلان هذا الحديث عندكم كذا، فإما من رواية فلان؛ يعني التي يسوقها فليست عندكم، وقال حمدويه بن الخطاب لما قدم البخاري قدمته الأخيرة من العراق، وتلقاه من تلقاه من الناس وازدحموا عليه وبالغوا في بره قيل له في ذلك، فقال: كيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة، كأنه يشير إلى قصة دخوله التي ذكرها يوسف بن موسى، أنبئت عن أبي نصر بن الشيرازي، عن جده أن الحافظ أبا القاسم بن عساكر أخبرهم، أخبرنا إسماعيل بن أبي صالح، أنبأنا أبو بكر بن خلف، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، ح وقرأته عاليا على أبي بكر الفرضي، عن القاسم بن مظفر، أخبرنا علي بن الحسين بن علي، عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر، وأبي الفضل الميهني قالا: أخبرنا أبو بكر بن خلف، قال ابن ناصر إجازة: أخبرنا الحاكم، قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي، حدثني أبو حسان مهيب بن سليم، سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: اعتللت بنيسابور علة خفيفة، وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه، فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله، فقلت: نعم فقال؛ يعني تعجلت في قبول الرخصة، فقلت: أخبرنا عبدان، عن ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال من أي مرض كان كما قال الله ﷿: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ قال البخاري: لم يكن هذا عند إسحاق، وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: لو نشر بعض أستاري (١) هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت البخاري ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات، وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى، قال لي محمد بن إسماعيل يوما: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقلت له: يا أبا عبد الله بتمامه، فسكت، وقال سليم بن مجاهد: قال لي محمد بن إسماعيل: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين؛ يعني من الموقوفات إلا وله أصل أحفظ ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله، وقال علي بن الحسين
بن عاصم البيكندي قدم علينا محمد بن إسماعيل، فقال له رجل من أصحابنا: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي، فقال له محمد بن إسماعيل: أوتعجب من هذا القول! لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألف من كتابه، وإنما عني نفسه، وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، قال وراقه: سمعته يقول: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الحديث، فإذا نحو مائتي ألف حديث، وقال أيضا: لو قيل لي تمن لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة، وقال أيضا: قلت له: تحفظ جميع ما أدخلت في مصنفاتك؟ فقال: لا يخفى علي جميع ما فيها، وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات، قال: وبلغني أنه شرب البلاذر، فقلت له مرة في خلوة: هل من دواء للحفظ؟ فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي فقال: لا أعلم شيئا أنفع للحفظ