مصطلحة لموضوع كتابه، وهي حدثنا، وما قام مقام ذلك والعنعنة بشرطها عنده، وإن لم يجد فيه إلا حديثا لا يوافق شرطه مع صلاحيته للحجة كتبه في الباب مغايرا للصيغة التي يسوق بها ما هو من شرطه، ومن ثمة أورد التعاليق كما سيأتي في فصل حكم التعليق، وإن لم يجد فيه حديثا صحيحا لا على شرطه ولا على شرط غيره، وكان مما يستأنس به ويقدمه قوم على القياس، استعمل لفظ ذلك الحديث أو معناه ترجمة باب، ثم أورد في ذلك إما آية من كتاب الله تشهد له أو حديثا يؤيد عموم ما دل عليه ذلك الخبر، وعلى هذا فالأحاديث التي فيه على ثلاثة أقسام، وسيأتي تفاصيل ذلك مشروحا إن شاء الله تعالى.
ولنشرع الآن في تحقيق شرطه فيه، وتقرير كونه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي، قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر، فيما قرأت على الثقة أبي الفرج بن حماد، أن يونس بن إبراهيم بن عبد القوي أخبره عن أبي الحسن بن المقير، عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه: شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى. قال: وما ادعاه الحاكم أبو عبد الله أن شرط البخاري ومسلم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا، ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان، إلى آخر كلامه، فمنتقض عليه بأنهما أخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد، انتهى.
والشرط الذي ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم، فإنه معتبر في حق من بعدهم، فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد قط. وقال الحافظ أبو بكر الحازمي ﵀: هذا الذي قاله الحاكم، قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه، ثم قال ما حاصله: إن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا، وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط، متصفا بصفات العدالة، ضابطا متحفظا، سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد. قال: ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول، فبعضهم حديثه صحيح ثابت، وبعضهم حديثه مدخول. قال: وهذا باب فيه غموض وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم، فلنوضح ذلك بمثال وهو: أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات، ولكل طبقة منها مزية على التي تليها، فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو مقصد البخاري، والطبقة الثانية شاركت الأولى في التثبت إلا أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري، حتى كان فيهم من يزامله في السفر ويلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه، فكانوا في الإتقان دون الأولى، وهم شرط مسلم. ثم مثل الطبقة الأولى بيونس بن يزيد، وعقيل بن خالد الأيليين، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، والثانية بالأوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وابن أبي ذئب. قال: والطبقة الثالثة: نحو جعفر بن برقان، وسفيان بن حسين، وإسحاق بن يحيى الكلبي، والرابعة: نحو زمعة بن صالح، ومعاوية بن يحيى الصدفي، والمثنى بن الصباح، والخامسة: نحو عبد القدوس بن حبيب، والحكم بن عبد الله الأيلي، ومحمد بن سعيد المصلوب.
فأما الطبقة الأولى فهم شرط البخاري، وقد يخرج من حديث أهل الطبقة الثانية ما يعتمده من غير استيعاب، وأما مسلم فيخرج أحاديث