للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - وأما ما استدل به الهروي وغيره من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى:

{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} بقوله: هي رؤيا عين أريها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به، فليس فيه دليل على أنه أراد رؤية النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لربه لأنه لم يذكر متعلق الرؤية.

قال سفيان ابن عيينة وهو أحد الرواة لهذا الأثر: "ليس الخبر بالبيِّن أيضًا: أن ابن عباس أراد بقوله (رؤيا عين): رؤية النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه بعينه" (٢٧).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه (رؤيا الآيات) لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج فكان ذلك فتنة لهم حيث صدقه قوم وكذبه قوم ولم يخبرهم بأنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه" (٢٨).

ولذلك فإن هذا الدليل لا يُسلم به حتى بعض أصحاب هذا القول (٢٩).

٥ - وأما قولهم: إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي، فإن هذا صحيح فيما كان الأصل فيه الإثبات، أما هنا فالأصل النفي، ولا بد لتقديم الإثبات عليه من دليل قاطع، كيف وقد قام الدليل على النفي كما تقدم.

وأما مذهب التوقف فبابه واسع وهو كما قال الذهبي: "وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها" (٣٠).


(٢٧) التوحيد لابن خزيمة (٢/ ٤٩٤).
(٢٨) مجموع الفتاوى (٦/ ٥١٠).
(٢٩) انظر التوحيد لابن خزيمة (٢/ ٤٩٢).
(٣٠) سير أعلام النبلاء (٢/ ١٦٧) وانظر (١٠/ ١١٤).

<<  <   >  >>