للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بسؤال الملكين في البرزخ فيُقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وهذا تكليف.

وأما في عرصات القيامة فإن قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (٧) صريح في وقوع التكليف في الآخرة لأن الله تعالى يدعو الخلائق إلى السجود فيسجد المؤمنون ويُحال بين الكفار وبين السجود لأَئهم كُلِّفوا به في الدنيا وهم قادرون عليه فامتنعوا، وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (٨)، (٩).

الوجه الخامس: أن قول ابن عبد البر: وكيف يُكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، جوابه من أربعة وجوه:

أحدها: أن ذلك ليس تكليفًا بما ليس في الوسع، وإنما هو تكليف بما فيه مشقة شديدة، وهو كتكليف بنى إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل، وكتكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا في الذي يرونه نارًا، وكذلك فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط، وهو جسر على جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم فمنهم الناجي، ومنهم المكدوش على وجهه في النار، وليس في وقوع الامتحان بالنار بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.

والثاني: أنَّهم لو أطاعوه ودخلوها لم تضرهم وكانت بردًا وسلامًا، فلم يُكلفوا بممتنع ولا بما لا يُستطاع.


(٧) سورة القلم، آية (٤٢).
(٨) سورة القلم، آية (٤٣).
(٩) انظر للاستزادة من الأدلة على هذا: الإبانة لأبى الحسن الأشعري (١٣٨) مجموع الفتاوى (٢٤/ ٣٧٣) طريق الهجرتين (٧٠٨ - ٧٠٩) تفسير ابن كثير (٣/ ٥١ - ٥٢).

<<  <   >  >>