للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عبد البر: "اختلاف آثار هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا من النبوة ليس ذلك عندى باختلاف تضاد وتدافع -والله أعلم- لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الالحة من بعض من يراها على ستة وأربعين جزءًا، أو خمسة وأربعين جزءًا، أو أربعة وأربعين جزءًا، أو خمسين جزءًا، أو سبعين جزءًا، على حسب ما يكون الذي يراها، من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدين المتين، وحسن اليقين، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد -والله أعلم- فمن خلصت له نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب" (٥).

القول الثاني: ما ذهب إليه ابن بطال رحمه الله تعالى وهو: أن الاختلاف في العدد يكون على حسب حال الرؤيا فقال رحمه الله تعالى: الرؤيا تنقسم إلى قسمين: أحدهما: رؤيا ظاهرة جليَّة، كمن رأى في المنام أنه يُعطى تمرًا، فأُعطي تمرًا مثله في اليقظة، فهذه الرؤيا لا إغراب في تأويلها، ولا رمز في تفسيرها.

والقسم الثاني: رؤيا مرموزة بعيدة المرام، فهذا القسم لا يقوم به حتى يعبره الأحاذق، لبعد ضرب المثل فيه، فيكون هذا القسم من السبعين، ويكون القسم الأول من الستة والأربعين، لأنه إذا قلَّت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى الصدق، وأسلم من وقوع الغلط في تأويلها بخلاف ما إذا كثرت (٦).

وعبر بعض أهل العلم عن هذا الرأي بقوله: "إن المنامات دلالات، والدلالة منها خفي ومنها جلي، فما ذكر فيه السبعون أُريد به أنه الخفي منها، وما ذكر فيه الستة والأربعون أُريد به الجلي منها" (٧).


(٥) انظر التمهيد (١/ ٢٨٣).
(٦) انظر فتح الباري (١٢/ ٣٦٥).
(٧) المعلم (٣/ ١١٨) وانظر: فتح الباري (١٢/ ٣٦٥).

<<  <   >  >>