للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: ما ذكره القاضي عياض وهو أنه: يحتمل أن تكون هذه التجزئة في طُرق الوحي، إذ منه ما سُمع من الله بلا واسطة، ومنه ما جاء بواسطة الملك، ومنه ما أُلقي في القلب من الإلهام، ومنها ما جاء به الملك وهو على صورته أو على صورة آدمي معروف أو غير معروف، ومنه ما أتاه به في النوم، ومنه ما أتاه به في مثل صلصلة الجرس، ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه، إلى غير ذلك من الأحوال التى كانت تختلف على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الوحي وحالاته المختلفة، فتكون تلك الحالات إذا عُدِّدت انتهت إلى سبعين (٨).

القول الرابع: ما ذهب إليه بعض أهل العلم وهو أن مدة نبوته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت ثلاثًا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة وعشر سنين بالمدينة، وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك -في أول الأمر- يوحى إليه في منامه ستة أشهر -أي نصف سنة- فإذا نُسبت هذه المدة إلى مدة نبوته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صارت جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة (٩).

وممن ذهب إلى هذا القول ابن الأثير رحمه الله فقال: "كان عمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أكثر الروايات الصحيحة ثلاثًا وستين سنة، وكانت مدة نبوته منها ثلاثًا وعشرين سنة، لأنه بُعث عند استيفائه أربعين سنة، وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أول أمره يرى الوحي في المنام، ودام كذلك نصف سنة، ثم رأى الملك في اليقظة، فإذا نسبت المدة التي أُوحي إليه فيها في النوم -وهى نصف سنة- إلى مدة نبوته -وهى ثلاث وعشرون سنة- كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءًا، وذلك جزء من ستة وأربعين جزءًا، وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا


(٨) انظر: إكمال المعلم (٧/ ٢١٤) المفهم (٦/ ١٦) فتح الباري (١٢/ ٣٦٦).
(٩) انظر: معالم السنن (٤/ ١٢٩) المعلم (٣/ ١١٧) كشف المشكل (٢/ ٧٧).

<<  <   >  >>