للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يعتقده أهل الجاهلية من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك. ويدل على هذا قوله: "فمن أعدى الأول" يشير إلى أن الأول إنما جرب بقضاء الله وقدره فكذلك الثاني وما بعده" (٢٥) واستدل رحمه الله تعالى أيضًا. مما أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يعدي شيء شيئًا" فقام أعرابي فقال: يا رسول الله: النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فما أجرب الأول؟ لا عدوى ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس فكتب حياتَها ومصيباتِها ورزقها" (٢٦) فقال تعليقًا على هذا الحديث: "فأخبر أن ذلك كله بقضاء الله وقدره كما دل عليه قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (٢٧) " (٢٨).

وقال ابن القيم: "وعندي في الحديثين مسلك آخر يتضمن إثبات الأسباب والحكم ونفى ما كانوا عليه من الشرك واعتقاد الباطل ولو قالوا: إنَّها أسباب أو أجزاءُ أسباب إذا شاء الله صرف مقتضياتِها بِمشيئته وإرادته وحكمته وإنَّها مسخرة بأمره لَما خلقت له وإنَّها في ذلك بِمنْزلة سائر الأسباب التي ربط بها مسبباتِها وجعل لها أسبابًا أخر تعارضها وتمانعها وتمنع اقتضاءها لما جعلت أَسبابًا له وإنَّها لا تقضي مسبباتِها إلا بإذنه ومشيئته وإرادته ليس لها في ذاتِها ضر ولا نفع ولا تأثيرٌ البتة إن هى إلا خلق مُسخَّر مُصرَّف مربوب لا تتحرك


(٢٥) لطائف المعارف ص (٧٥) بتصرف يسر.
(٢٦) إسناده صحيح وقد سبق تخريجه ص (٨٧)، وطرفه الأول "لا يعدي شيء شيئًا".
(٢٧) سورة الحديد. آية (٢٢).
(٢٨) لطائف المعارف ص (٧٦).

<<  <   >  >>