للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله عليه الصلاة والسلام "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله "لا يورد ممرض على مصح" وما في معناهما فأراد منه الإرشاد إلى اجتناب ما يحصل الضرر عنده غالبًا بتقدير الله تعالى وبيان أن العدوى سبب من الأسباب التي خلقها الله تعالى وقدر حصول المرض لمن تعرض لها.

وهذا المسلك هو ما ذهب إليه البيهقي رحمه الله تعالى في الجمع بين الأحاديث وكذا النووي وابن رجب وابن القيم عليهم رحمة الله.

قال البيهقى: "ثابت عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لا عدوى" وإنما أراد على الوجه الذي كانوا يعتقدون في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله عز وجل. وقد يجعل الله تعالى بمشيئته مخالطة الصحيح من به شىء من هذه العيوب سببًا لحدوث ذلك به. ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يورد ممرض على مصح" وقال في الطاعون: "من سمع به بأرض فلا يقدمن عليه" وغير ذلك مما في معناه. وكل ذلك بتقدير الله عز وجل" (٢٣).

وقال النووي: "وطريق الجمع أن حديث "لا عدوى" المراد به نفى ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى. وأما حديث "لا يورد ممرض على مصح" فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره. فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الإحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره" (٢٤).

وقال ابن رجب: "وأظهر ما قيل في معنى "لا عدوى": أنه نفى لما


(٢٣) معرفة السنن والآثار (٥/ ٣٥٤).
(٢٤) مسلم بشرح النووي (١٤/ ٤٦٤).

<<  <   >  >>