للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معرفةُ الأحكامِ

وكلُّ هذهِ الحدودِ لا تخلو عن مؤاخذةٍ وأجوبةٍ يطولُ الكتابُ بذكرِها من غيرِ طائلٍ.

فإن قيل: لِمَ عبَّر دون العلم، مع أن الصَّوابَ التعبيرُ به كما صنعَ ابنُ السُّبكي في "جمعِ الجوامع" (١) قال: الفقهُ: العلمُ. بناءً على أنَّ المعرفةَ إنما تتعلَّقُ بالمفرداتِ، والعلمَ إنَّما يتعلُّقُ بالنِّسبِ التامَّةِ (٢)، أي: المعرفةُ هي التصوُّرُ، والعلمُ هو التصديقُ، والفقهُ من قبيلِ التَّصديقات لا من قبيلِ التصوراتِ؟.

أُجيب: بأنَّ المرادَ بالمعرفةِ العلمُ بمعنى الظَّنِّ، أي: الإدراكِ الراجحِ لا بمعنى العلمِ المتبادرِ منه، وهو الإدراكُ الجازمُ؛ إذِ الاجتهادُ إنَّما هو طريقٌ للأولِ لا للثاني، فيرادُ بالمعرفةِ هنا العلمُ؛ ليوافقَ ما هو مقرَّرٌ عندهم.

و (الأحكامُ) جمعُ حكمٍ، وهو إثباتُ شيءٍ لشيءٍ إيجابًا أو سَلبًا، لغويًّا كانَ كرفع الفاعلِ، أو عقليًّا كعدمِ اجتماعِ الضِّدين (٣)، أو شرعًا كوجوبِ الصلاةِ، فالمرادُ بالأحكامِ في التعريفِ ما يشملُ التكليفيَّةَ والوضعيَّةَ (٤)، وأن كلًّا منهما لا فرقَ بين أن يكونَ مُتعلَّقُه


(١) "شرح جمع الجوامع" مع حاشية البناني ١/ ٤٢.
وابن السبكي هو: تاج الدين، أبو نصر، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام، انتهت إليه رياسة القضاء والمناصب بالشام، وكان جوادًا مهيبًا. له تصانيف منها: "جمع الجوامع"، و"طبقات الشافعية". (ت ٧٧١ هـ). "الدرر الكامنة" ٣/ ٢٣٢ - ٢٣٦، "الأعلام" ٤/ ١٨٤ - ١٨٥.
(٢) التقييد بالتامة احتراز من الناقصة التي لا يحسن السكوت عليها كالنسبة الإضافية في قولنا: غلام زيد. والتوصيفية في قولنا: الحيوان الناطق. "حاشية البناني على شرح جمع الجوامع" ١/ ٤٢.
(٣) الضدان: صفتان وجوديَّتان يتعاقبان في موضع واحد يستحيل اجتماعهما، كالسواد والبياض. "التعريفات" للجرجاني ص ١٧٩.
(٤) في الأصل: "الوضيعية".