للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغَسلُ اليدين مع المِرْفقَينِ،

(و) ثانيها: (غَسْلُ اليدين مع المرفقَينِ)؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦].

(وثانيها: غسلُ اليدين مع المِرْقَقَينِ) بكسر الميم وفتح الفاء، أفصحُ من العكس؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ والغايةُ داخلةٌ في المغيَّا، لأنَّها من جِنسِ ما قبلَها، ولأنَّ "إلى" في الآية، بمعنى: "مع"، كقولِه تعالى: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] أي: مع الله. وكقوله: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] وكقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢].

ويجبُ غسلُ شعرِ اليدين والرجلين، ظاهرِه وباطنِه مطلقًا، سواءٌ كان خفيفًا أو كثيفًا، بخلافِ شعرِ الوجه، والفرقُ بينه وبينه: أن الوجهَ مُشتَقٌّ من المواجهةِ، وهي تحصُلُ بظاهرِ الشعرِ الكثيفِ، فاكتُفي بغسلِه، بخلافِ شعرِ اليدين والرجلين.

وقد يقال أيضًا: إنَّ كثافةَ شعرِ اليدين والرجلين نادرةٌ، فليس في غسلِه مشقَّةٌ، بخلافِ كثافةِ اللحيةِ.

وعنه: لا يجب إدخالِ المِرْفَقين في الغَسل. وبه قال داود (١)، وبعض المالكية، وحُكي عن زُفَر؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بالغسلِ إلى المرافق، وجَعلَها غايةً بحرفِ "إلى"، وهو لانتهاءِ الغايةِ، فلا يَدْخلُ ما بعدَها فيما قبلَها، واسْتُدِلَّ لذلكَ بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:١٨٧]. وأجيب عن ذلك بأنَّ الغايةَ إذا كانت من جنسِ المغيَّا، دخلَت فيما قبلَها، كالذي نحنُ فيه، وإنْ كانت من غيرِ جنسِه كآية الصيام، لم تدخل. وفعلُه يبين مجملَ الكتابِ في قَدْرِ الغَسْل المأمورِ به.

ورَوى جابرٌ قال: كانَ النبيُّ إذا توضَّأ، أدارَ الماءَ على مِرْفَقيه. أخرجه


(١) في الأصل: "أبو داود" والمثبت من "الاستذكار" ٢/ ٢٣ وهو الصواب.