للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاثةً بلياليهنَّ، بسفرِ قَصْرٍ.

(وثلاثة) أيامٍ (بلياليهنَّ، بسفرِ قَصْرٍ) أي: في سفرٍ تُقصَر فيه الصلاةُ -بأنْ كان مباحًا- مسافتُه يومان فأكثر، كما سيجيءُ في بابه؛ وذلك لما روى شُريحُ بنُ هانئ (١) قال: سألتُ عائشةَ عن المسحِ على الخفِّين، فقالتْ: سلْ عليًّا؛ فإنَّه كان يسافرُ مع النبيِّ . فسألتُه، فقال: قال رسولُ الله : "للمسافرِ ثلاثةُ أيَّامٍ ولياليهنَّ، وللمقيم يومٌ وليلة" رواه مسلم (٢).

ويخلعُ عند انقضاءِ المدَّةِ، فإن خاف، أو تضرَّر رفيقُه بانتظاره، تيمَّم، فلو مسح وصلَّى، أعاد. نصَّ عليه. ويمسح المدَّةَ المذكورةَ ولو نحو مستحاضةٍ.

أيضًا عاصٍ بسفره يومًا وليلةً، تنزيلًا للعاصي بالسَّفرِ أو في السفرِ منزلةَ المقيم، فلا يتجاوزانِ اليومَ والليلة.

(وثلاثةَ أيامٍ بلياليهنَّ) أي: ويمسحُ المسافرُ ثلاثةَ أيامٍ بلياليهنَّ، ولو مستحاضةً ونحوها. وإنَّما أَنَّث "لياليهِنَّ" ولم يقل : لياليها؛ لِمَا في الأيام من معنى الجمعية، أو أنَّها اقترنت بلفظ الليلةِ، فاكتسبت التأنيثَ منه، كقول بعضِهم:

كَمَا شَرِقَت صدرُ (٣) القناةِ من الدَّمِ

وكقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]. وهذه المدةُ لمن (بسفرِ قَصْرٍ) لم يَعْصِ به. فإن كان دون مسافةِ القصرِ أو محرَّمًا، مَسَحَ كالمقيم؛ لأنَّه في حكمه، وجَعْلًا لهذا السَّفرِ كعدمه. وحينئذٍ يخلعُ عند انقضاءِ المدَّةِ. وقيل: يمسحُ العاصي بسفرِه كغيره. ذكره ابنُ شهاب (٤). وقيل: لا يمسحُ أصلًا؛ عقوبةً له. والأوَّلُ المذهبُ. ولا فرقَ بين ما إذا أَحدثَ


(١) هو أبو المقدام، المذحجي الكوفي، أدرك النبيَّ ولم يره، (ت ٧٨ هـ). "السير" ٤/ ١٠٧ - ١٠٩، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ١٦٢.
(٢) برقم: (٢٧٦)، وهو عند أحمد (٧٤٨).
(٣) في الأصل: "صدور"، وهو خطأ. والمثبت من "ديوان الأعشى" ص ١٨٣، وصدره:
وتَشْرَقُ بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ.
(٤) هو أبو علي الحسن بن شهاب العكبري. ولد بعكبرا سنة ٣٣٥ هـ وقيل: ٣٣١. وتوفي سنة ٤٢٨ هـ لازم ابن بطة إلى حين وفاته. له المصنفات في الفقه والفرائض والنحو. "طبقات الحنابلة" ٢/ ١٨٦.