للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد كمالِ طهارةٍ بماءٍ.

والخُمُر، والجبيرة (بعد كمال طهارةٍ بماء) لما روى أبو بَكْرة (١): أنَّ النبيَّ رخَّص للمسافر ثلاثةَ أيام ولياليهنَّ، وللمقيم يومًا وليلةً، إذا تطهَّر فلبس خفَّيه أن يمسحَ عليهما. رواه الشافعيُّ وابنُ خزيمة والطبرانيُّ (٢)، وحسَّنه البخاريُّ (٣) وقال: هو

(بعد كمالِ طهارةٍ بماءٍ) من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ. أي: بعد الطهارةِ الكاملةِ. هذا هو الشرطُ الثامنُ من شروط المسحِ على الخفَّين وما في معناه. يعني: أنَّه يشترطُ لصحَّة المسحِ لجميع ما يُمسحُ عليه مِن خفٍّ وجبيرةٍ وعِمامةٍ وخُمُرٍ، تقدُّمُ كمالِ طهارةٍ. فلو لَبِسَه قبل كمالِ الطهارةِ، لم يصحَّ المسحُ؛ لأنَّ كلَّ ما يشرطُ له الطُّهرُ يشترطُ تقدُّمُه عليه بكماله، كالوضوءِ للصلاة، والطوافِ، ومسِّ المصحفِ، ولأنَّه إذا انتفى الشرطُ، انتفى المشروطُ.

ومِن صُوَرِ اللُّبس على الحَدَث قبل كمالِ الطهارةِ أنْ يَغسلَ إحدى رجلَيه ويُدخلَها الخفَّ، ثم يغسلَ الأُخرى ويدخلَها إيَّاه؛ فإنَّ أوَّلَ اللُّبس لم يكن على الطُّهر الكاملِ. نعم لو نزعَ الذي لَبِسَه أوَّلًا، ثمَّ أعاد لُبْسَه وهو على طهارتِه، جازَ المسحُ عليه إذا أَحدثَ من غيرِ احتياجٍ إلى نزعِ الثاني وإعادةِ لُبسه؛ لكمال الطُّهرِ حين اللُّبس المعتادِ والآخَرُ ملبوسٌ على كمال طهارةٍ، فيتحقَّق الشرطُ فيهما جميعًا، فيصحُّ المسحُ حيئنذٍ.

ومن صُوَر اللُّبسِ على الحدثِ قبل كمالِ الطهارةِ أن ينويَ رفعَ الحدثِ عن القدمين، ثم يَغسلَهما ويُدخلَهما فيه، ثم يتمَّ طهارته، لم يَجُز المسحُ؛ لما تقدَّم.

ولابدَّ أن تكونَ الطهارةُ بماءٍ، فلو لَبِسهما بعد طهارةِ تيمُّمٍ، لم يصحَّ المسحُ عليهما؛


(١) هو نُفيْعُ بن الحارث، وقيل: ابن مسروح، من فضلاء الصحابة، وكان تدلَّي إلى النبي من حصن الطائف ببكرة؛ فاشتهر بأبي بكرة. "الإصابة" ١٠/ ١٨٣.
(٢) الشافعي (١/ ٤٢، ترتيب مسنده)، و"صحيح" ابن خزيمة (١٩٢)، وأخرجه أيضًا ابن ماجه (٥٥٦)، وعزاه الزيلعي أيضًا في "نصب الراية" ١/ ١٦٨ للطبراني، ولم نقف عليه عند الطبراني من حديث أبي بكرة، بل أخرجه في "الأوسط" (٧٦٣٥) من حديث صفوان ابن عسَّال مختصرًا.
(٣) نقله عنه الترمذيُّ في "العلل الكبير" ١/ ١٧٦.