للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عليٍّ: "العينُ وِكاءُ السَّهِ، فمَنْ نام، فليتوضأ" رواه أحمد (١). والسَّهُ: حلْقة الدبر (٢)؛ ولأنَّ النومَ مظنَّةُ الحَدَثِ، فأقيم مقامَه.

والنومُ رحمةٌ من الله على عبدِه؛ ليستريحَ بدنُه عند تعبه، وهو غشيةٌ ثقيلةٌ تقعُ على القلب، تمنعُ المعرفةَ بالأشياء؛ فينقض النومُ الوضوءَ، إلا نومَ النبيِّ على أيٍّ حالٍ كان؛ لأنَّه تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُه (٣).

(العينُ وِكاء السِّهِ) العين: كنايةٌ عن اليقظةِ. والوِكاءُ -مثل: كِتاب-: حبلٌ يشدُّ به رأسُ القِربةِ. "مصباح" (٤)، ففيه استعارةٌ لطيفةٌ؛ لأنَّه جعلَ العينَ بمنزلة الحبلِ؛ لأنه يضبِطها، فزوالُ اليقظةِ كزوال الحبلِ؛ لأنَّه يحصل به الانحلالُ. والسَّهُ: اسمٌ للدُّبُر. ووِكاؤه: حفاظُه عن أن يخرجَ منه شيءٌ لا تشعر به العينان. (ولأنَّ النومَ مَظِنَّةُ الحدث .. إلخ) وغيرُ النومِ مما ذكر أَبلغُ منه في الذُّهولِ الذي هو مظنَّةٌ لخروج شيءٍ من الدُّبُر، كما أشعر به الحديثُ.

وفي إيجاب الوضوءِ بالنوم تنبيةٌ على وجوبه لما هو آكَدُ منه، كالسُّكْر والإغماءِ إلَّا نومَ النبيِّ ؛ لخبر الصَّحيحين: "إنَّ عينيَّ تنامان ولا ينامُ قلبي". وفي البخاريِّ (٥) في خبر الإسراءِ عن أنسٍ: "وكذلك الأنبياءُ تنام أعينُهم ولا تنام قلوبُهم".

فإنْ قيل: هذا مخالفٌ للحديث الصحيحِ أنَّه نام في الوادي عن صلاة الصُّبحِ حتى


(١) في "مسنده" (٨٨٧)، وأخرجه أبو داود (٢٠٣)، وابن ماجه (٤٧٧). وفي إسناده بقيَّة، وهو مدلس. والوكاء: الخيط الذى تشدُّ به الصُّرَّة والكيس وغيرهما، فكما أن الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرج، كلذلك اليقظة تمنع الاستَ أن تُحدِث إلا باختيار. "النهاية" (وكا).
(٢) "النهاية في غرب الحديث" (سه).
(٣) هو أصل حديث للسيدة عائشة ، عن النبي أنه قال: "إنَّ عينيِّ تنامان ولا ينام قلبي". أخرجه البخاري (١١٤٧)، ومسلم (٧٣٨) (١٢٥)، وهو عند أحمد (٢٤٠٧٣).
(٤) مادة (وكي) وما بعده منه.
(٥) برقم (٣٥٧٠).