للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله: "حتى تخفِقَ رؤوسُهم"، قال في "المصباح" (١): خفقَ برأسه خفقةً: أخذته سِنَةٌ من النُّعاس، فمال رأسُه دون سائرِ جسده، وبابُه ضرب. وقوله: "أَغْفَيتُ" أي: نمتُ نومةً خفيفة. قال ابن السِّكِّيت (٢) وغيرُه: ولا يقال: غفوت. وقلَّله الأزهريُّ كما في "المصباح" (٣).

وعُلِم منه أنَّ الكثيرَ من قاعدٍ وقائمٍ ينقض

فالقائمُ كالقاعد؛ لاشتراكهما في انضمامِ محلِّ الحدثِ، فلا ينقض يسيرُه، وحديثُ أنس محمول على الكثير؛ لأنه اليقين، ولأن النوم اليسير يكثُرُ وقوعُه من منتظري الصَّلاةِ، فعُفي عنه؛ لمشقَّة التحرُّز. وأمَّا عدمُ انتقاضِ الوضوءِ بالنوم اليسيرِ من القائم، فما رُوي عن ابن عباسٍ في قصَّة تهجُّدِه إلخ، ولأنَّ الجالسَ والقائمَ يشتبهان في الانخفاضِ واجتماعِ المَخرجِ، وربَّما كان القائمُ أبعدَ من الحدثِ؛ لكونه لو استثقلَ في النوم، لَسقط.

(وعُلِمَ منه أنَّ: الكثير … إلخ.) يعني: وفُهم من قولِه: "اليسير" أنَّ النومَ إذا كان كثيرًا ينقضُ، وهو كذلك على المذهبِ؛ لأنَّه مع الكثرةِ لا يُحِسُّ بما يخرجُ منه، بخلاف النومِ اليسيرِ. وقيل: مِقدارُ الكثيرِ ركعتان. ونصَّ الإمامُ أحمدُ: إذا رأى فيه حُلُمًا، وقيل: هو الذي يزولُ معه الاستشعارُ، بخلاف النُّعاسِ.

وفُهم من قوله: ["إلَّا اليسيرَ عرفًا من جالسٍ وقائمٍ"] (٤) أنَّ النومَ اليسيرَ من راكعٍ وساجدٍ ينقضُ، وهو المذهبُ. وعنه: أنَّ نومَ الرَّاكعِ والسَّاجدِ لا ينقضُ يسيرُه؛ لأنَّهما من أحوالِ


(١) مادة (خفق).
(٢) هو شيخ العربية، أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن السِّكِّيت، البغدادي، مؤلِّف كتاب "إصلاح المنطق". (ت ٢٤٤ هـ). "السير ١٢/ ١٦ - ١٩.
(٣) مادة (غفا).
(٤) لم ترد هذه العبارة بهذه الصيغة في "الهداية" وهي بتمامها من "منتهى الإرادات" ١/ ١٩، ولعل المحشي نقلها عن الدنوشرى، كما أسلفنا سابقًا.