للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال الخطَّابي (١): ذهب إلى هذا عامَّة أصحابِ الحديثِ. والدليل على ذلك قول رسول الله : "توضَّؤوا من لحومِ الإِبل .. " إلخ. قال ابنُ خزيمة (٢): لم نَرَ خلافًا بين علماءِ الحديثِ أنَّ هذا الخبرَ صحيحٌ. ومقتضى الأمرِ الوجوبُ، والوضوءُ المقترِن به لا يُحمل إلَّا على موضوعه الشَّرعيِّ، ودعوى النسخِ بحديث جابرٍ: كان آخرُ الأمرَين من رسول اللهِ تَرْكَ الوضوءِ ممَّا مسَّته النار، كما رواه أبو داود (٣)؛ مردودةٌ بأمورٍ. منها: أنَّ الأمرَ بالوضوء من لحوم الإبلِ متأخِّرٌ عن نسخ الوضوءِ مما مسَّته النار، أو هو مقارِنٌ له، بدليل أنَّه قرنَ الأمرَ بالوضوءِ من لحوم الإبلِ بالنهي عن الوضوءِ من لحوم الغنمِ، وهي ممَّا مسَّت النار، فلا يكونُ ناسخًا، إذ من شرط النسَّخِ تأخُّرُ الناسخ، وكذلك [إن كان] (٤) بما قبله؛ لأنَّ الشيءَ لا يُنسَخ بما قبله.

الثاني: أنَّ النقضَ بلحوم الابلِ يتناول ما مسَّت النارُ وغيرَه، ونسخُ أحدِ الجهتين لا يثبتُ به نسخُ الأخرى، كما لو حرِّمت المرأةُ بالرِّضاع، وبكونها ربيبةً، فنَسْخُ تحريمِ الرَّضاعِ لم يكن ناسخًا لتحريم الربيبة.

الثالث: أنَّ خبرَهم عامٌّ، وخبرنا خاصٌّ، فالجمعُ بينهما ممكنٌ بحمل خبرِهم على ما سِوَى صورةِ التخصيصِ. ومِن شرط النسخِ تعذُّرُ الجمعِ بين النَّصَّين (٥).

الرابع: أنَّ خبرَنا أصحُّ من خبرِهم، والناسخُ لا بدَّ أنْ يكونَ مساويًا للمنسوخ، أو راجحًا عليه، فتعيَّن حملُ الأمرِ على الوجوب.

ومن العجبِ أنَّ المخالفَ في هذه المسألةِ أوجبَ الوضوءَ بأحاديثَ ضعيفةٍ تخالف


(١) "معالم السنن" ١/ ٦٧.
(٢) في "صحيحه" ١/ ٢١.
(٣) في "سننه" (١٩٢)، وأخرجه النسائي ١/ ١٠٨.
(٤) ما بين حاصرتين لم ترد في الأصل الخطي، واستدركت من "الشرح الكبير" ٢/ ٥٦.
(٥) في الأصل: "النصفين". والمثبت من "الشرح الكبير" ٢/ ٥٦.