للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلُّ ما أوجبَ غُسْلًا سوى موتٍ،

الثامن من النواقض: أشار إليه بقوله: (وكلُّ ما أوجب غُسْلًا سوى موت)

(وكلُّ ما أَوجبَ غسلًا إلخ) كرِدَّة عن الإِسلامِ، والعياذُ بالله تعالى، كما درجَ عليه صاحبُ "المنتهى" (١) وذلك لقوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] وقولِه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] ولا شكَّ أنَّ الطهارةَ عملٌ، وحكمُها باقٍ، فوجب أن يحبَطَ بالرِّدَّة، وقولِه : "الطهور شطر (٢) الإيمان" والردَّةُ تبطلُ الإيمانَ، فوجب أن يبطلَ ما هو شطره (٣)، ولأنَّها طهارةٌ عن حدثٍ، فأبطلتها الردةُ، كالتيمُّم، لكنَّ الآيةَ دالَّة على أنَّ الردَّة تُحبط العملَ بمجرَّدها، والأكثرُ عن أصحابنا أنَّها لا تُحبطه إلَّا بالموت؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة:٢١٧] وبنَوا على ذلك صِحَّةَ الحِجَجِ في الإِسلام الأوَّلِ قبل رِدَّتِه، وقضاء ما تَرَك من العبادات في ردَّته، ويلزمُه قضاءُ ما تركَ قبلها، ولا تبطلُ عبادتُه التي فَعَلها في إسلامه، من صلاةٍ وحجٍّ وغيرِهما إذا عاد إلى الإِسلام. ويؤخذُ بحدّ زنًى في ردَّته، نصًا كقبلها، فمتى زنَى، رُجم. والصحيحُ الذي عليه الأكثرون أنَّ المرادَ بالطهور ها هنا التطهيرُ بالماءِ من الأحداثِ. وقال القاضي: لا معنى لجعلها من النواقضِ مع وجوبِ الطَّهارةِ الكبرى إذا عادَ إلى الإِسلام. وقال الشَّيخ تقيُّ الدين (٤): له فائدةٌ تظهر بما إذا عادَ إلى الإِسلامِ، فإنَّا نوجبُ عليه الوضوءَ والغُسلَ، فإن نواهما بالغُسل، أجزأه، وإن قلنا: لم ينتقضْ وضوءُه، لم يجبْ عليه إلا الغُسل. قال الزركشيُّ: ومثلُ هذا لا يَخفى على القاضي، وإنَّما أراد القاضي أنَّ وجوبَ الغُسلِ ملازمٌ لوجوب الطهارةِ الصُّغرى. قلت: وهذا مِن باب دَلالةِ الالتزامِ.

ولا ينتقضُ الوضوءُ بما عدا الردَّةِ من الكلامِ المحرم، والغيبةِ، والنميمةِ، والرَّفثَ، والقذف، وقولِ الزُّور، والقهقهةِ ولو داخلَ الصلاةِ، ولا يُستحبُّ الوضوءُ منها. دنوشري.


(١) ١/ ٢٠.
(٢) في الأصل: "شرطه"، والمثبت من "صحيح" مسلم (٢٢٣)، و"مسند" أحمد (٢٢٩٠٢).
(٣) في الأصل: "شرطه".
(٤) "شرح العمدة" ١/ ٣٢٠.