فهذه الأمور إذا اختل واحد منها لم يثبت الذم، وهيهات أن تجتمع على باطل.
والذي تصديت لمناقشة الأستاذ فيه إنما يتعلق بالأمر الأول، ولا يلزم من تثبيته تثبيت الثاني فضلاً عن الجميع وقد يلزم من صنيعي في بعض المواضع تثبيت الثاني لكن لا يلزم من ذلك تثبيت الثالث فضلاً عن الجميع، وما قد يتفق في بعض المواضع من مناقشتي للأستاذ في دعوى الانقطاع أو التصحيف فالمقصود من ذلك كشف مغالطته ولا يلزم من ذلك تثبيت الأمور كلها، وقد يتهم الأستاذ رجلاً في رواية مع علمه بأنه قد توبع متابعة تبين صدقه في تلك الرواية فيضطرني إلى التنبيه على تلك المتابعة. وقد يشنع على الخطيب بإيراده رواية من فيه كلام في صدد ما زعم أنه المحفوظ عنده، ويتبين لي من سقوط الشناعة من هذه الناحية أما لأنه إنما ذكر رواية ذلك الراوي في المتابعات وأما لأن الراوي إنما غمز بأنه يخطئ أو يهم وليس تلك الرواية مما يخشى فيه الخطأ أو الوهم فاحتاج إلى بيان ذلك. وكل هذا لا يلزم منه تثبيت الأمور كلها وأذكر هنا مثالاً واحداً:
قال إبراهيم بن بشار الرمادي: سمعت بن عيينة يقول: ما رأيت أحداً أجرأ على الله من أبي حنيفة، ولقد أتاه رجل من أهل خراسان فقال يا أبا حنيفة قد أتيتك بمائة ألف مسألة أريد أن أسألك عنها، قال: هاتها، فهل سمعتم أحداً أجرأ على الله من هذا؟» هذه الحكاية أول ما ناقشت الأستاذ في بعض رجال سندها في (الطليعة) ص ١٢ - ٢٠ فإنه خبط في الكلام في سندها إلى الرمادي بما ترى حاله في (الطليعة) وتكلم في الرمادي وستأتي ترجمته وزاد في (الترحيب) فتكلم في ابن أبي خثيمة بما لا يضره، وذكر ما قيل أن ابن عيينة اختلط بأخرة، وهو يعلم ما فيه وستأتي ترجمته وقد ذكر الأستاذ في (التأنيب) جواباً معنوياً جيداً ولكنه مزجه بالتخليط فقال بعد أن تكلم في السند بما أوضحت ما فيه في (الطليعة) :
«وابن عيينة برئ من هذا الكلام قطعاً بالنظر إلى السند» .