الأول: أن رواية ابن عبد الحكم بطرقها الثلاث ورواية الربيع قد دلت أن القصة مطولة، وأن موضوعها المفاضلة بين مالك وأبي حنيفة، ورواية ابن عبد البر من طريق يونس لا تفي بذلك.
الثاني أن رواية ابن عبد البر قد وافقت رواية الخطيب في التغيير في ذكر مالك بلفظ «عالم» وذلك من يونس اتفاقاً، وهو مقتض كما تقدم أن يقال في مقابله «جاهل» فبان أن هذا أيضاً من يونس. ولولا رواية ابن عبد البر، لجاز أن يكون التغيير من الأبار بأن يكون لما سمع القصة لم يثبتها في أصله ولم يتقن حفظها، فلما احتاج إلى ذكرها في مصنفة رواها بالمعنى ولما أحس بالخلل بحسب الظاهر قال «أو كلاماً هذا معناه» .
فأما احتمال أن يكون التغيير من الخطيب خطأ فباطل لأوجه:
الأول: ما تقدم من الدلالة على أن التغيير من فوق.
الثاني: أن الخطيب إنما يروي بذلك السند من كتاب معروف للأبار.
الثالث: أن الخطيب لم يكن يتساهل في الرواية من حفظه، وفي (تذكرة الحفاظ) : ج٤ ص٤ «قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلا أحالني على الكتاب، وقال: حتى أكشفه» وفي الصفحة التي تليها عن السلفي: «سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب؟ فقال: جبل لا يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال إلا يرجع إلى كتابه» . وفيها ج٣ ص٣١٨ عن عبد الوارث الشيرازي:«كنا إذا سألنا عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألحنا عليه غضب، كانت له بادرة وحشة» .
الرابع: أن الخطيب يعلم عادة المحدثين في تتبع عثرات المحدث مع أنه قد أو غر قلوب كثير منهم فلو تساهل بالرواية من حفظه لما أخذه من مصنف معروف كما صنع الأستاذ ذلك في مواضع معتذراً بما تقدم في ترجمة أحمد بن سلمان، لقالوا له: