المدار في هذه الأمور على غلبة الظن فلا يلتفت إلى الاحتمالات البعيدة. بل من تدبر ما يرويه ابن الصلت في المناقب وقارن ذلك بما رواه الثقات فيها وفي غيرها عرف تزيده في غير موضع. والله المستعان.
ثم قال الأستاذ «فكان ابن الصلت كفر في نظر الخطيب بذكره أبا حنيفة في عدد هؤلاء الثلاثة ... وهذا هو محض الإجحاف، أبو حنيفة الذي ملأ ما بين الخافقين علما ... إذا ذكر في صف هؤلاء الثلاثة يكون ذلك من أبرز الحجج على كذب ابن الصلت كذباً بيناً، هذا ما لا يقوله إلا من اعتل اعتلالاً لا دواء له ... » .
أقول: هذا ديدن الأستاذ إذا أعوزته الحجة لجأ إلى التهويل على العامة، قد ذكر الخطيب حجته كما تقدم شرحه، وأئمة الحديث كثيرا ما يطعنون مثل ذاك الطعن بنحو تلك الحجة، وإن كان المروي فضيلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد كبار أصحابه كما تراه في كتب الموضوعات وكتب الضعفاء، فهل يرد كلامهم بمثل هذا التهويل؟ فلينظر الأستاذ أو غيره من العارفين في (دلائل النبوة) لأبي نعيم أو في (الخصائص الكبرى) للسيوطي، وليراجع نفسه فيما يستنكر وعم نشأ استنكاره أعن اعتقاد نقصاً في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغض له أو حرص على غمط فضله؟ فالخطيب لم يجعل زيادة ابن الصلت من أبرز الحجج على كذبه من جهة أنها منقبة لأبي حنيفة بل من الوجهين اللذين نص عليهما مع ما عرف من حال ابن الصلت بغير هذه الحجة وماذا يغني الضجيج أمام الحجة إلا كما قيل:
أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل!
أو كما قال الآخر:
فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا