للرجال غامضة دقيقة وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره ... رجاء إن كان الراوي حيا أن يحمله ذلك على التحفظ ... وإن كان ميتاً أن ينزله من ينقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ... » وقال شجاع الذهلي:«كان شيخاً عسراً في الرواية وسمع الكثير ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية كأنه خلط في شيء من سماعه» وقال السلفي: «كان مع عسره متكلماً فيه ... » والعسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد وهذه الصفة تنافي التزيّد ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماع ما لم يسمع من شهو ة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك، فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد فأي داع له إلى التزيّد؟
وأما الأمر الثاني وهو قضية كتاب (الزهد) فقد قال السلفي عقب ما مر عنه «حدث بكتاب الزهد بعد ما عدم أصله من غير أصله» فدل هذا على أنه كان لابن المذهب أصل بكتاب (الزهد) ولكن عدمه وبقيت عنده نسخة بخطه فلعله كان قد عارضها بأصله أو أصل آخر علم مطابقته لأصله. ويقوي ذلك أن الخطيب نفسه سمع منه كتاب (الزهد) وروى منه أشياء.
وأما الأمر الثالث وهو قول الخطيب «وليس بمحل للحجة» فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به، وهذا لا يدفع أن يعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف:(المسند) و (الزهد) وسيأتي في ترجمة عبد العزيز بن الحارث طعنهم فيه وتشنيعهم عليه وتشهيرهم به بسبب حديثين نسبهما إلى (المسند) وهم يرون أنهما ليسا منه، ولم يغمزوا ابن المذهب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما (المسند) و (الزهد) لسائر النسخ الصحيحة فالكلام فيه وفي شيخه لا يقتضي أدنى خدش في صحة (المسند) و (الزهد) ، فليخسأ أعداء السنة.