المبارك فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة فقال أحدهما: قال أبو حنيفة، وقال الآخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الأول: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء ... » قال الأستاذ ص ١٤٨:«لا نجد لعلي بن جرير رواية مطلقاً عن ابن المبارك في غير هذين الخبرين وعلي بن جرير البارودي هذا زائغ لم يستطيع ابن حاتم أن يذكر شيخاً له ولا راوياً عنه، وجعله بمنزلة من يكتب حديثه وينظر فيه - رواية عن أبيه - لا في عداد من يحتج به ونحن قد نظرنا فيه فوجدنا باهتا ... » .
أقول: ذكره ابن حبان في (الثقات) قال: «علي بن جرير من أهل (أبيورد) يروي عن حماد بن سلمة وابن المبارك وكان يخضب لحيته روى عنه أحمد بن سيار. سمعت محمد بن محمود ابن عدي يقول: سمعت (محمد بن عبد الله) بن قهزاز يقول: سمعت علي بن جرير يقول: قلت لابن المبارك: رجل يزعم أن أبا حنيفة أعلم بالقضاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله: هذا كفر. قلت: يا أبا عبد نفذ الكفر، قالوا: رويت فروى الناس. قال: ابتليت به. ودمعت عيناه» .
فقد روى علي بن جرير عن إمامين عنه أربعة من الثقات. وفي ترجمة عمر بن صبح من (التهذيب) «قال البخاري في (التاريخ الأوسط) : حدثني يحيى اليشكري عن علي بن جرير ... » فهذا خامس. وقال أبو حاتم:«صدوق» ولم يكن ليقول ذلك حتى يعرفه كما ينبغي، وأبو حاتم معروف بالتشدد، وقد لا تقل كلمة «صدوق» منه عن كلمة «ثقة» من غيره، فإنك لا تكاد تجده أطلق كلمة «صدوق» في رجل إلا وتجد غيره قد وثقه هذا هو الغالب، ثم ذكره ابن حبان في (الثقات) وأورد له تلك الحكاية التي يستنكرها الأستاذ ولا يضره بعد ذلك أن لا يعرفه ابن أبي حاتم. وما أكثر الذين لم يعرفهم وقد عرفهم غيره. فأما قول الأستاذ «فوجدناه باهتا» فأطال في محاولة توجيهه بما أشعر أنه يمتنع أن يقول أن أبا حنيفة أعلم بالقضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أقدم جاهل على امتنع أن لا يرفع إلى الحاكم ليقيم عليه حكم الشرع.