للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتقاق الكلمة أمن الصر وهو الربط، أم من الصري وهو الاجتماع، فهذا لا علاقة له بكلام الشافعي، أولا: لأنه في مقام بيان المعنى لا الاشتقاق، ثانيا: لأنه قد ذكر الاجتماع كما ذكر الربط. وربط الإخلاف لازم التصرية في عادة العرب وذلك أنها إذا لم تربط رضعها ولدها، أو حلبها محتاج، وكان العرب يتسامحون في حلب إبل غيرهم إذا لم تكن مصراه، يعدون عدم تصريتها بمنزلة الإذن لمن يحتاج في حلبها قال الشاعر:

قد عاث ربك هذا الخلق كلهم ... بعام خصب فعاش الناس والنعم

وأبهلوا سرحهم من غير تودية ... ولا ديار ومات الفقر والعدم

يعني أرسلوها غير مصراه لاستغنائهم عن اللبن فلا يبالون أن ترضعها أولادها أو يجلبها من شاء وفي الحديث «لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم آن تؤتى مشربته فتكسر خزانته ... » وجاءت أحاديث أخرى بالإذن، منها حديث أبي سعيد مرفوعا: «إذا أتيت على راع فناده ثلاثا فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد» . وجمع بعض أهل العلم بين الأحاديث بأن النهي محمول على المصراة، لأن تصريتها علامة على عدم الإذن، والآذن في غيرها لأن ترك التصرية دليل على الآذن، وهذا أقوى ما تحمل عليه الأحاديث، وفيها إشارة إليه لقوله في الأول «فتكسر خزانته» والكسر إنما يكون إذا كانت مغلقة وإغلاق صرع الناقة هو تصريته، فأما غير المصراة فهي شبيهة بالخزانة المفتوحة، ولقوله في الحديث الآخر «من غير أن تفسد» ، وحل الرباط إفساد.

والمقصود هنا أن الربط كان من لازم التصرية في عادتهم فكانت حقيقة التصرية إنما تحصل بالربط والترك مدة واجتماع اللين كما قال الشافعي. وذكر بعض أئمة اللغة أنه يجوز أن تكون المصراة أصلها المصررة أي المربوطة إلى آخر ما قال، ولا حاجة بعبارة الشافعي إلى هذا كما علمت.

السادسة: قال: «وقوله في تفسير الفهر في قول عمر: كأنهم اليهود قد خرجوا من فهرهم - البيت المبنى بالحجارة الكبار، مع أنه موضع عبادتهم أو اجتماعهم

<<  <  ج: ص:  >  >>