أقول: المعنى الأول مبني على أن الباء في قوله «بالباطل» للسبية، وأن الباطل ما لا يعتد به الشرع سبباً للحل. والمعنى الثاني مبني على أن الباء للمقابلة وأن الباطل ما لا تحقق له ونسبة المعنى الأول إلى السّدي لا أراها تصح، وإنما قال السدي كما في (تفسير ابن جرير) ج٥ص١٩ «بالباطل: الربا والقمار والبخس والظلم. إلا أن تكون تجارة: ليربح في الدرهم ألفا إن استطاع» فأول عبارته يصلح للمعنيين، وبيان صلاحيتها للثاني في القمار والبخس والظلم ظاهر، فأما الربا فإن من أقرض مائة ليقتضي مائة وعشرة يأكل العشرة بما لا تحقق له فإن غايته أن يقول: لو لم أقرض المائة لعلي كنت اتجرت فيها فربحت، ولعل المستقرض اتجر فيها فربح. فيقال له هذا لا تحقق له لعلك لو لم تقرضها لسرقت منك، ولعلك لو اتجرت فيها لخسرت مع ما يلحقك والعناء، ولعل المستقرض لم يتجر فيها، ولعله اتجر فخسر أو ذهب منه رأس المال، فإن ربح فيتبعه. ولتمام هذا موضع آخر، وإنما المقصود هنا أن ذكر السدي للربا لا يحتم أنه قائل بالمعنى الأول. وآخر عبارة السدي ظاهر في معنى الثاني وأنه رأى أن الغبن في البيع من الأخذ بالباطل المراد في الاية ولكنه مستثنى استثناء متصلاً على ما هنوالأصل في الاستثناء، ولنفرض مثالاً يبين ذلك: ثوبان قيمة كل منهما بخسب الزمان والمكان عشرة، فقد يجهل البائع ذلك ويظن قيمة كل منهما خمسة فقد فيبيعها بعشرة، وقد يجهل المشترى فيظن قيمة كل منها عشرين فيشتريها بأربعين فمن أخذهما بقيمة أحدهما فقد أخذ أحدهما أو نصفيهما بما لاتحقق له، ومن باعهما بمثلي قيمتها فقد أخذ نصف الثمن بما لا يحقق له، هذا باعتبار قيمة الزمان والمكان، وهو المتعارف بين الناس، فإن من باع أو اشترى بقيمة الزمان والمكان لا يعده الناس غابناً أو مغبوناً البتة، ولكنك إذا تعمقت قد تقول: إنما القيمة الحقيقة مقدار ما غرمه البائع على السلعة، أو مقدار ما ينقصه فقدها، فيقال لك: هذا بالنظر إلى البائع، فأما بالنظر إلى المشترى فقيمتهما مقدار ماتنفقه، وقد يتعارضان، كمن عنده ماء كثير فباع منه شربة