للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمضطر، ويبقى النظر في الثمن ويخفى الأمر ويضطرب وتضيق المعاملة جداً. لا جرم عدل الشرع إلى اعتبار ما تراضي به المتبايعان، فما تراضيا به فهو القيمة التي يعتد بها الشرع في التجارة، لكن هذا لا يمنع أن يسمى الغبن أكلاً بالباطل بالنظر إلى التحقق، وليس من لازم الباطل بهذا المعنى أن يكون محرماً في الشرع، وفي الحديث: «كل شيء يلهو به الرجل باطل غلا رمية بقوسة وتأديبة فرسه وملاعبته امراته فإنهن من الحق (١) » ومعلوم أن فيما يلهو به الرجل غير هذه الثلاث ما هو مباح إجماعاً.

فأما ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فإنه إذا عمل فيه بالمشروع لم يكن على كلا المعنيين من الأكل بالباطل، وذلك أن الباذل قد يقصد مكافأة المبذول له على إحسان سابق، وقد يرجوعوضاً مستقبلاً، إما مالاً وإما منفعة، وأقل ذلك الثناء، والأكل في مقابل غحسان سابق أكل بأمر متحقق، والمشروع للمبذول له على رجاء مستقبل أن يقبل عازماً غعلى المكافأة فيكون بمنزله من يفترض عازماً على لأن يقضى، وإنما كان بعض الصحابة أولاً يتورعون عن الأكل في بيوت أقاربهم وأصدقائهم خشية أن لا يتيسر لهم المكافأة المرضية. فبين الله تعالى لهم في آية النور أنه لا حرج في الأكل، يريد والله أعلم مادام ذلك جارياً على المعروف، والمعروف أن الناس يكرم بعضهم بعضا ويكافئ بعضهم بعضا بالمعروف، فمن أكل عازماً على المكافأة بحسب ما هو معروف بين أهل المروءات فلم يأكل بما لا تحقق له، نعم لو فرضنا أن رجلاً غنياً لئيماً اعتاد أن يتردد على بيوت أقاربه وأصدقائه ليأكل عندهم غير عازم على المكافأة المعروفة كان هذا والله أعلم داخلاً في الباطل على كلا المعنيين.

وإذا تدبرت علمت أنه على المعنى الثاني ليس هناك نسخ، وإنما هو بيان لدفع ما توهمه أولئك المتحرجون، وقد عرف عن السلف أنهم ربما يطلقون النسخ على


(١) حديث صحيح، خرجته في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» رقم (٣١٠) . ن

<<  <  ج: ص:  >  >>