ومع هذا فاللفظ الواقع في الوجه الثاني لا يتعين حمله على ما زعمه صاحب هذا المسلك فإنه يحتمل أن يكون المراد أن السارق لم يقطع فيما دون ثمن ذاك المجن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولا مانع أن تعرف عائشة هذا ولا تعرف قيمة ذاك المجن. وهذا المعنى أقرب وأولى مما زعمه صاحب هذا المسلك، فإنه يزعم أن المعنى قيمة أن اليد لم تكن تقطع إلا فيما يبلغ ثمن مجن من المجان أي مجن كان، وهذا بغاية البعد، فإن من المجان الردئ البالي المعيب الذي تكون قيمته درهماً واحداً أو دونه، ومنها ما يزيد على ذلك زيادة متفاوتة، ولم يعهد من حكمة الشارع وإيثاره الضبط، أن ينوط مثل هذا الحكم العظيم بمثل هذا الأمر الذي لا ينضبط.
فإن قيل قد يختار مجن من أو سط الغالب على نحوما قدمت أول المسألة.
قلت: أو سط الغالب بعيد أيضاً عن الانضباط، والذي تقدم إنما هو من بعض من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رأى أنه لا ينبغي القطع في أقل مما قطع فيه النبي صلى الله عليه وآلة وسلم، وعرف أنه ذاك المجن ولم يعرف ثمنه فأضطر إلى الحدس، والشارع لا ضرورة تلجئه ة لا حاجة تدعوه إلى مثل هذا، فلماذا يعدل عن سنته من إيثار الضبط وهو قادر على الضبط بالذهب أو الفضة، فيكون المناط ظاهراً منضبطاً سهل المعرفة جارياً على ما يعرفه الناس ويتعارفونه؟!
فأما تقدير الدية بالإبل فذلك معروف متعارف من قبل الاسلام، وكان أغلب أموالهم الإبل ووصفها الشارع بصاف معروفة تقربها من الإنضباط، ولا يخشى بعد ذلك التباس ولا مفسدة كما يخشى في نوط القطع بثمن مجن، فإن وجبت عليه الدية لا يلزمه أن يدفع النفيسة، فلو كانت عنده نفيسة، وأراد أن يشتري بها عشراً كلهن على وصف الدية مكن من ذلك، فيشتري بتلك الناقة عشراً ويدفعها فتحسب له عشراً، واحتمال ان لا يتمكن من ذلك بعيد، فإن اتفق ذلك فللفقيه أن يقول هي بمنزلة المعدومة، ويعدل الى قيمة القدر الواجب من الغالب - كما قيل بنحو ذلك في الزكاة. فأما إذا طابت نفس صاحبها فدفعها فلا إشكال. والحنفية لم