ينكروا وجوب الإبل، وإنما قالوا: إن الواجب هي أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم. وإن يتعين بالتراضي أو القضاء.
وأقول أما التراضي فلا إشكال فيه، وكذلك القضاء إذا قضى القاضي بالإبل، أو بذاك المبلغ من الذهب أو الفضة وهو قيمة الإبل. وأما إذا لم يكن ذلك قيمتها، فجعل الخيرة للقاضي مناف للعدل وفتح لباب اتباع القضاة للهوى، وأصول الشرع تأبى ذلك. والمقصود هنا انه مفسدة في جعل الزكاة من الإبل، فإن الواجب الحقيقي هو أقل ما يتحقق به الصفة فالمستحق بين أن يحصل له حقه، وأن يحصل له دونه برضاه، وأن يحصل له فوقه برضا الدافع.
... وعلى فرض أن المقوم اخطأ في التقويم، فالخطب سهل، إنما هو خسارة مالية يجبرها الله عز وجل من فضله.
... واما المجن فإن قيل: إنه يقطع في سرقته مطلقاً بأي صفة كان فلا يخفى ما فيه، وإن قيل: لا يقطع فيه إلا إذا كان بوصف مخصوص، فما هو ذاك الوصف؟ وما الدليل على تعيينه؟ وإن قيل. لا يقطع فيه إلا إذا بلغت قيمته حداً معيناً كما يدل عليه قول أنس:«سرق رجل مجناً على عهد أبي بكر فقوم خمسة دراهم فقطع» فهذا قولنا وبطل هذا المسلك الطريف رأساً.
وإذا كان المسروق ذهباً أو فضة، فعلى ذلك المسلك ينبغي أن ينظر هل هو قيمة مجن أولا؟ وهذا عكس المعروف المتعارف من اعتبار مقادير السلع بالذهب والفضة. وإذا كان المسروق سلعة أخرى احتيج الى تقويمين، تقويم السلعة بالذهب أو الفضة، وتقويم المجن الذي لم تبين صفته بالذهب أو الفضة، واحتمال الخطأ في ذلك أشد من احتماله في تقويم واحد.
فإن قيل: إنما كان ذلك في أول الأمر ثم استقر الحال على العشرة الدراهم.
قلت: فهل كان الشارع يجهل عاقبة الأمر وقد قال الشاعر: