للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا عين القاضي برأيه أحد النصفين لزيد وكان بكر يريده ظن بكر أن القاضي إنما مال مع هواه، وساءت ظنون الناس بالقاضي وجر ذلك إلى مفاسد. فإن قال أبو حنيفة: فما المخلص؟ قالوا قد بينه الله تعالى ورسوله وهو القرعة، فإن قال: القرعة قمار. قيل له: إنما تكون قماراً في غير هذا الباب كما تقدم شرحه، وإذا صح أن أبا حنيفة إستحب القرعة فقد لزمه أنها ليس في هذا الباب بقمار وإنها مشروعة، وإذا اعترف بأنها مشروع فما بقي إلا أن يجب العمل بها أو يجوز تركها وجعل التعيين إلى الزوج والقاضي، والحجة قائمة على منع أن يكون التعيين إلى الزوج والقاضي لأنه فتح لباب الميل كما تقدم، ولا ضرورة إليه ولا حاجة.

وقد وردت القرعة في فروع أخرى من الباب الرابع، وبذلك ثبت أنها في ذلك الباب أصل من الأصول الشرعية يقاس عليه ما يشبه.

قال الله تبارك وتعالى في قصة مريم: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» إلى أن قال «وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ» (آل عمران: من الآية٤٤) .

فالقوم وفيهم نبي الله زكريا عليه السلام اختصوا في كفالة مريم، ففزعوا إلى القرعة، وظاهر أنهما إنما يرضون بالقرعة عند تساويهم في أصل الإستحقاق وإقتضاء مصلحة الطفلة أن يختص بكفالتها أحدهم. فقص الله تبارك وتعال ذلك في كتابه وأخبر أنها كفلها زكريا، أي والله أعلم بأن أخرج سهمه في القرعة فكان هو القارع.

وقال عز وجل في قصة يونس: «إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ الصافات» (الصافآت: ١٤٠ - ١٤٢) ذهب يونس إلى فلك مشحون أي موقر ليركب فيه فكأنه والله أعلم طلع إلى الفلك هو وجماعة حاجتهم كحاجته

<<  <  ج: ص:  >  >>