فكأن صاحب الفلك أخبرهم أنه لا يمكنه أن يسافر بهم جميعاً لأن فلكه مشحون أي موقر، وطلب منهم أن ينزل بعضهم فتشاحوا فإقترعوا فطله سهم يونس في المدحضين أي في الذين خرجت القرعة بأن ينزلوا - والظاهر أن الفلك كان لا يزال بالمرفأ وليس في النزول منه خطر ظاهر، لكن الله عز وجل قضى على يونس بما قضى وفي (الصحيحين) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لويعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لأستهموا ... » وفي (صحيح مسلم) من حديثه أيضاً مرفوعاً: «لوتعلمون - أو يعلمون - ما في الصف المقدم لكانت قرعة» أي أنهم يحضرون معاً ويكثرون ويتشاحون ولا يكون هناك مرجع فيحتاج إلى القرعة وفي (صحيح البخاري) ، وغيره من حديث أم العلاء قالت:«طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ... .» وفيه من حديث النعمان بن بشير مرفوعاً: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ... » وفي (صحيح مسلم) وغيره عن عمران بن حصين: «أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم أثلاثاً ثم أقرع بينهم فأعتق أثنين وأرق أربعة» ووجه ذلك أن تصرف المريض مرض الموت وصية يصح منها الثلث فقط، ومن الأصول الشرعية مراعات أن تعتق الرقبة كاملة كما ثبت فيمن أعتق في حال صحته بعض مملوكة أنه يعتق عليه كله، وفيمن أتعق شركاً له في مملوك أنه أن كان المعتق موسراً عتق المعتوق كله وغرم المعتق قيمة ما زاد على نصيبه لشريكه، وإن كان معسراً فقد قال بعض أهل العلم: يعتق المملوك كله ويسعى في قيمة ما زاد على نصيب المعتق حتى يدفعها إلى الشريك، وقال آخرون: قد عتق منه ما عتق ويبقى باقيه على الرق. ومن المعنى في مراعاة عتق الرقبة كاملة أن مقصود العتق هو أن يحصل للملوك وعليه جميع الحقوق المختصة بالأحرار ويغني عن المسلمين غناء الحر، وليس المبعض كذلك، فإن من حقوق الأحرار ما لا يحصل له ولا عليه منها شيء، ومنها ما يحصل له جزء من فقط، ومع ذلك يكون التبعيض منشأ نزاع مستمر بين المبعض ومالك بعضه، فيلحق الضرر بكل منها، ويشتبه الحكم في كثير من الفروع على المفتي والقاضي، كما تراه في أحكام المبعض في كتب الفقه، فجاءت