للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالاستدلال -الاستصلاح-، ويلتزم مثله في تجويزه لأهل الإيالات القتل في التهم العظمى.

فاستدرك الأبياري على الجويني إلزامه هذا فاسد من وجهين:

الأول: أن فيه إلزامًا بالقول بالاستدلال على خلاف الإجماع؛ وذلك لأن الإجماع انعقد على أن الأعضاء مصانة عن التعزير، فكيف يصح أن يلزم المالكية إتلافها في التعزير على قولهم بالاستدلال؟ !

الثاني: أن الجويني يقر بأن المالكية لو قالوا بإتلاف الأعضاء بالتعزير بناء على قولهم بالاستدلال؛ لكان ذلك منهم خلاف الإجماع، فكيف به يلزمهم ذلك وهم يشترطون في صحة القول بالاستدلال ألا يخالف أصلاً من أصول الشريعة، والإجماع أصلٌ عظيم من أصول الشريعة؟ !

وأما الاستدراك على الخصم المقدر؛ فذلك بأن يقدر المستدرِك استدراكًا من الخصم لأجل تقوية مذهبه العقدي أو الفقهي، وهو ما يعرف بأسلوب الفنقلة، وهذا مما يكثر في كتب الأصول؛ وخاصة في المصنفات على طريقة الجمهور.

وأقرر ذلك بالأمثلة التالية:

• المثال الأول: الاستدراك على الخصم المقدّر المخالف في المذهب العقدي:

قال القاضي أبو يعلى في مسألة (الواجب المخير): "إذا ورد الأمر بأشياء على طريق التخيير؛ كالكفارات الثلاثة ونحوها؛ فالواجب واحد منها بغير عينه، فيتعين ذلك بفعله، فيصير كأنه الواجب عليه بنفس السبب ... وذهب المعتزلة إلى أن الجميع واجب على طريق التخيير (١) " (٢).

ثم ذكر في استدلاله بمذهبه: " ... وأيضًا: لو فعل الجميع لم يكن الواجب إلا واحدًا من الجملة، فلو كان الجميع واجبًا قبل الإيقاع؛ لكان متى تعين بالفعل وقع


(١) المعتمد (١/ ٧٧ - ٩٠).
(٢) العدة في أصول الفقه (١/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>