للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الصفة التي كان عليها قبل الإيقاع، ألا ترى الذي تعين فعله لا يجوز أن تخالف صفته حال الإيقاع لما تعلق به الأمر، مثل سائر الواجبات التي ثبتت من غير تخيير، ولما ثبت أن الواحد منها يقع واجبًا دل على أن الواجب واحد منها" (١).

ثم قدر سؤالاً من الخصم وأجاب عليه لتقوية مذهبه فقال: "فإن قيل: إنما يقع جميعها واجبًا؛ لأنها كانت واجبة على التخيير.

قيل: المفعول يقع عن الواجب كما يقع لو لم يكن مخيرًا فيه، ألا ترى أن من خير في تعيين الحرية في أحد عبديه وأداء الصلاة في أول الوقت؛ فإنه واجب مخير فيه، ولو فعله لوقع ذلك عن الواجب، كما يقع لو لم يكن مخيرًا فيه" (٢).

ويستمر في ذكر استدراكات مقدرة من الخصم ويجيب عنها، وكل ذلك لغرض تقوية دليله ومذهبه. (٣)

• المثال الثاني: الاستدراك على الخصم المقدّر المخالف في المذهب الفقهي:

ما ذكره السرخسي في (فصل في بيان حكم العام)؛ حيث ذهب الحنفية إلى أن العام موجب للحكم فيما يتناوله قطعًا بمنزلة الخاص موجب للحكم فيما تناوله (٤)، فقدر استدراكًا من الخصم بقوله: "فإن قال قائل: إن الخاص أيضًا لا يوجب موجبه قطعًا لاحتمال إرادة المجاز منه، وإنما يوجب موجبه ظاهرًا ما لم يتبين أنه ليس المراد به المجاز بدليل آخر، بمنزلة النص في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن بقاء الحكم الثابت بالنص يكون ظاهرًا لا مقطوعًا به؛ لاحتمال النسخ وإن لم يظهر الناسخ بعد.

قلنا: هذا فاسد؛ لأن مراد المتكلم بالكلام ما هو موضوع له حقيقة، هذا معلوم، وإرادة المجاز موهوم، والموهوم لا يعارض المعلوم، ولا يؤثر في حكمه، وكذلك


(١) العدة في أصول الفقه (١/ ٣٠٤).
(٢) المرجع السابق.
(٣) يُنظر: المرجع السابق (١/ ٣٠٤ - ٣٠٦).
(٤) أصول السرخسي (١/ ١٣٢).

<<  <   >  >>