للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن رده بغير ما يعرفه من باب تكليف ما لا يطاق، فلا بد من رجوعهما إلى دليل يعرفه الخصمُ السائلُ معرفة الخصمِ المستدِلِّ، وعلى ذلك دلَّ قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] الآية؛ لأن الكتاب والسنة لا خلاف فيهما عند أهل الإسلام، وهما الدليل والأصل المرجوع إليه في مسائل التنازع، وبهذا وقع الاحتجاج على الكفار؛ فإنَّ الله تعالى قال: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩]، فقرَّرَهم بما به أقرُّوا، واحتج بما عرفوا؛ حتى قيل لهم: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي فكيف تخدعون عن الحق بعد ما أقررتم به، فادعيتم مع الله إلهًا غيره ... " (١).

وأقرر ذلك بالأمثلة التالية:

• المثال الأول:

ما ذكره الجَصَّاص في (باب القول في تخصيص العموم بالقياس): "كل ما لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد لا يجوز تخصيصه بالقياس؛ وذلك لأن خبر الواحد مقدم على القياس، فما لا يجوز تخصيصه فبالقياس أحرى ألا يخص، وهذا مذهب أصحابنا" (٢).

ثم ذكر استدراكًا مقدرًا من الخصم فقال: "فإن قال: لما اتفقنا على جواز تخصيص العموم بالقياس العقلي (٣)؛ وجب أن يكون كذلك حكمه في القياس الشرعي".


(١) الموافقات (٥/ ٤١٥).
(٢) الفصول في الأصول (١/ ٢١١).
(٣) يطلق القياس العقلي على معنيين:
أ - قياس المنطقي- نتيجة المقدمتين العقليتين-؛ كقولنا: النبيذ مسكر، وكل مسكر حرام، فالقياس: النبيذ حرام، وهو المراد هنا.
ب - قياس القضايا في أصول الدين ومسائل العقيدة إلى مقتضى العقل دون النظر في النصوص.
يُنظر: قواطع الأدلة (٤/ ١)؛ الواضح في أصول الفقه (١/ ٤٣٩)؛ شرح الكوكب المنير (٤/ ١٢، ٥٣٦).

<<  <   >  >>