للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معًا (١))، بعد أن ذكر الأقوال في المسألة، واختار منع التعليل مطلقًا، فقال: "وذلك لأنه لو كان معللاً بعلتين لم يخل: إما أن تستقل كل واحدة بالتعليل، أو أن المستقل بالتعليل إحداهما دون الأخرى، أو أنه لا استقلال لواحدة منهما؛ بل التعليل لا يتم إلا باجتماعهما.

لا جائز أن يقال بالأول؛ لأن معنى كون الوصف مستقلاً بالتعليل أنه علة الحكم دون غيره، ويلزم من استقلال كل واحدة منهما بهذا التفسير امتناع استقلال كل واحدة منهما، وهو محال.

وإن كان الثاني أو الثالث فالعلة ليست إلا واحدة، وعلى هذا فلا فرق بين أن تكون العلة في محل التعليل بمعنى الباعث أو بمعنى الأمارة (٢) ".


(١) تعليل الحكم الواحد بعلتين كما لو أن شخصًا قَتَلَ وارتد - والعياذ بالله- هل يعلل الحكم بالعلتين؟

وكما لو أحدث شخص أحداثًا مختلفة - كبول وريح -، ثم نوى حالة الوضوء رفع بعضها، هل ترفع مجموع الأحداث؟ يُنظر: التمهيد للإسنوي (ص: ٣٩٠).
(٢) للعلة أسامٍ في الاصطلاح؛ وهي: السبب، والأمارة، والداعي، والمستدعي، والباعث، والحامل، والمناط، والدليل، والمقتضي، والموجب، والمؤثر.
أما تسميتها سببًا فلأنها طريق إلى معرفة الحكم، وهو يثبت عند وجودها؛ لأنها إنما المثبت لها الشارع.
وأما تسميتها أمارة فظاهر؛ لأن الأمارة - بفتح الهمزة - العلامة، والعلة الشرعية علامة على ثبوت الحكم.
وأما تسميتها الباعث فلأنه الباعث للشارع لوضع الحكم عند وجودها.

والفرق بين الباعث والأمارة المحضة: هو أن الباعث يكون مناسبًا لحكمه، ومقتضيًا له على وجه يحصل من اقتضائه إياه مصلحة ; بحيث يصح في عرف العقلاء أن يقال: إنما فعل كذا لكذا؛ كقولنا: إنما قتل المرتد لتبديله الدين، أو تقليل عدد المسلمين، أو إعانة الكافرين. وإنما وجب الحد بشرب الخمر لإفساده العقل. بخلاف الأمارة المحضة؛ كزوال الشمس وطلوع الهلال؛ إذ لا يناسب أن يقال: وجبت الصلاة لأن الشمس زالت، والصوم لأن الهلال ظهر، وإن صح ذلك في التخاطب العرفي؛ لكنه من جهة الاستدلال؛ لا من حيث التعليل، أي: زوال الشمس وطلوع الهلال دليل على وجوب الصلاة والصوم؛ لا علة لهما. وكذلك الأسباب الموجبة للتعبدات؛ كأسباب الحدث للوضوء هي أمارات لا بواعث؛ لعدم المناسبة. يُنظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٣١٥ - ٣١٧).

<<  <   >  >>