للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من علم الأصول في آخر حياته العلمية، وقد خالف فيه كثيرًا من آرائه التي قررها في المنخول (١)، وأذكر لذلك مثال: ترجيح العلة الناقلة أو المقررة (٢) إذا وردتا على حكم واحد، فاختار الغزالي في المنخول تقديم العلة المقررة، فقال بعد إفساده للقول المخالف: "تقديم العلة الناقلة على العلة المستصحبة كما يقدم الراوي الناقل على المستصحب، وهذا فاسد؛ فإنا نظن أن الناقل أثبت في الرواية من المستصحب، ولا نتهمه في العلة، فلتقدم المستصحبة.

ثم يحتمل أن يقضي بالتعارض، ويتمسك بالاستصحاب استقلالاً.

ويحتمل أن يقال: هو ساقط في معارضته القياس، فلا يصلح إلا الترجيح" (٣).

وما قرره في المنخول هو مذهب شيخه إمام الحرمين (٤).

ونجده في المستصفى (٥) اختار تقديم العلة الناقلة فقال: "وترجيح الناقلة


(١) للزيادة في هذا الجانب الاطلاع على رسالة الأستاذة أريج الجابري بعنوان: "المسائل الأصولية التي رجحها الإمام الغزالي في المستصفى مخالفًا ترجيحه لها في المنخول جمعًا ودراسة " رسالة ماجستير بجامعة أم القرى.
(٢) المراد بالعلة الناقلة: أي الرافعة لحكم الأصل والبراءة. وأما العلة المقررة: فهي المبقية لحكم الأصل والبراءة. يُنظر: البحر المحيط (٦/ ١٩١). ويُنظر هذا المعنى في نهاية السول (٢/ ١٠٠٠) عند حديثه عن الخبر الناقل والخبر المقرر.

ويمكن تمثيل ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لطلق بن علي عندما سأله عن مس الذكر: «هل هو إلا بضعة منك؟ ! »، فعلة عدم انتقاض الوضوء في الحديث هي: مس عضو لعضو من إنسان واحد لا يؤثر. وهذه العلة مبقية لحكم الأصل في عدم وجوب الوضوء. مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من مس ذكره فليتوضأ» فعلة انتقاض الوضوء في الحديث هي: مس الذكر، وهذه العلة ناقلة لحكم الأصل - البراءة الأصلية -. والحديثان سبق تخريجهما في (ص: ٢٥٩).
(٣) المنخول (ص: ٤٤٨).
(٤) البرهان (٢/ ١٢٩٠).
(٥) (٤/ ١٩١).

<<  <   >  >>