للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعند الأشاعرة الاستطاعة مع الفعل؛ وذلك لأن الاستطاعة عرض (١)، والعرض لا يبقى زمانين، فالقدرة إنما توجد زمان الملابسة للفعل، والفعل إنما يكون ممكنًا زمان حالة الملابسة، وأما قبله فيستحيل، فلا يؤمر بالفعل إلا حال الملابسة به.

وخالف الجويني - وهو أشعري الاعتقاد (٢) - الأشعري في ذلك، وذهب إلى أن القدرة قبل الفعل، وانقطاعها حالة وجود الفعل، وما ليس بمقدور لا يؤمر به. (٣)

• المثال الثاني:

قال السيف الآمدي: "يجوز أن يكون المحرم أحد أمرين لا بعينه عندنا، خلافًا للمعتزلة (٤)؛ وذلك لأنه لا مانع من ورود النهي بقوله: لا تكلم زيدًا أو عمرًا، وقد حرمت عليك كلام أحدهما لا بعينه، ولست أحرم عليك الجميع ولا واحدًا بعينه، فهذا الورود كان معقولاً غير ممتنع، ولا شك أنه إذا كان كذلك؛ فليس محرم مجموع كلاميهما، ولا كلام أحدهما على التعيين؛ لتصريحه بنقيضه، فلم يبقَ إلا أن يكون المحرم أحدهما لا بعينه" (٥).

فاستدرك عليه القرافي بقوله: "ونحن نمنع أن ما قاله متصور في غير تحريم المجموع ... فما قاله غير متصور أصلاً، والحق في هذا ما نسبه للمعتزلة دون ما نسبه


(١) سبق تعريف العرضي (ص: ٩٤).
(٢) وذكر أنه رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمة فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور". يُنظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/ ٢٤٥).
(٣) يُنظر: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين (ص: ١٤٦ - ١٤٨).
(٤) يُنظر: المغني للقاضي عبدالجبار (١٧/ ١٣٥)؛ المعتمد (١/ ١٧٠).
(٥) الإحكام (١/ ١٥٣ - ١٥٤).

<<  <   >  >>